إذا كنت من الأنواع المحظوظة، فسوف تتعثر بطفرات جينية عشوائية تحدث لمساعدتك على البقاء حيًّا بصورة أفضل، ما يتيح لك ولأحفادك الاحتفاظ بالسمات المفيدة المشفرة في الحمض النووي والبناء عليها، وكما هو الحال مع أي شيء يتضمن الحظ، كلما زادت الفرص التي تحصل عليها، زادت احتمالية نيلك الجائزة الكبرى. يبدو أن هذا ما حدث مع أسلافنا القدامى المشتركين مع أسماك الرئة التي لا تزال حية.

حقق أجدادنا ما يكفي من الجوائز الوراثية للسماح لهم بالخروج من الماء والوصول إلى عالم الأرض الجديد بالكامل، منذ قرابة 420 مليون سنة، إذ أصبحوا أسلاف جميع الحيوانات البرية الفقارية (رباعيات الأرجل)، ربما وجود جينوم ضخم، مثل ذلك الموجود في أسماك الرئة الحديثة، قد ساعد على حصول ذلك.

توصل الباحثون حديثًا إلى تسلسل الجينوم الكامل لسمكة الرئة الأسترالية المهددة بالانقراض، التي تحتوي على أكبر جينوم حيواني معروف، 14 ضعف الجينوم الخاص بنا.

تطلب هذا تقنيات جديدة لسلسلة الحمض النووي وكميات هائلة من قوة الحوسبة، والآن فقط يمكننا تقنيًّا تجميع 43 مليار نيوكليوتيدة معًا.

يقول عالم الأحياء سيغفريد سكلوسنغ، من معهد أبحاث علم الأمراض الجزيئية في النمسا: «من وجهة نظر الجينوم، يقع سمك الرئة عند منتصف المسافة بين السمك والفقاريات البرية».

جينوم السمكة الرئوية يشرح كيف وثبنا للمرة الأولى إلى اليابسة - الطفرات الوراثية التي سمحت لأسلافنا الخروج من الماء والوصول إلى عالم الأرض الجديد

من أصل 6 أنواع لا تزال على قيد الحياة من سمك الرئة، فإن 4 منها إفريقية، ونوع أمريكي جنوبي، ونوع أسترالي، وقد ظهرت للمرة الأولى في سجل الحفريات قبل 400 مليون سنة.

احتفظت الأنواع الأسترالية بمعظم سمات الأجداد، لكنها -عندما اكتُشفت للمرة الأولى- صُنفت خطأً بوصفها برمائيات، نظرًا إلى المزيج الغريب لديها من ميزات كل من الأسماك وسمندل الماء، متضمنةً زعانفها المفصصة الغريبة التي تشبه الأرجل، وتستطيع هذه الأحافير الغريبة العيش حتى 100 عام.

لا تزال سمكة الرئة الأسترالية تشبه إلى حد بعيد حفريات أجدادها التي يبلغ عمرها 100 مليون عام، المنقرضة الآن، والتي خرجت من الماء سابقًا وتطورت لاحقًا إلى الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات.

يؤكد الجينوم الخاص بها أن هذا السباح الذي يستنشق الهواء هو أقرب أقربائنا من الأسماك الحية، متفوقًا على منافسه الكولاكانث، نوع آخر من الأسماك ذات الزعانف المفصصة. يتضمن الجينوم الكبير لأسماك الرئة الأسترالية أدلة على كيفية انتقال الحيوانات من الحياة المائية إلى البرية.

أضاف الباحثون في ورقتهم البحثية: «تطلب هذا عددًا من الابتكارات التطورية، متضمنةً تنفس الهواء والأطراف والوضعية والوقاية من الجفاف وإفراز النيتروجين والتكاثر والشم».

وجد الباحثون في سمك الرئة نفس الجينات المسؤولة عن تطور الرئة الجنيني لدينا، وكذلك الجينات التي تشفر كلًا من عظام الذراع لدينا، الزند والكعبرة. لم تُشاهد جينات نمط الأطراف رباعية الأرجل مثل hox-c13 وsal1 من قبل في الأسماك.

كتب الفريق: «ربما هيأت مثل هذه المستجدات الأسماك ذات الزعانف المفصصة لغزو الأرض، ما يوضح كيف قد يساهم جينوم السمكة الرئوية في فهم أفضل لهذا التحول الرئيسي خلال تطور الفقاريات».

وجد الباحثون إضافات ضخمة إلى جينات السمكة الرئوية مرتبطة بالشم، ما قد يمثل مجموعة من أجهزة الاستشعار المناسبة للبيئة الجديدة. ترمز هذه الجينات لمستقبلات الروائح المحمولة جوًا، في حين تضاءلت مستقبلات الروائح المنقولة عبر الماء.

نشأت العديد من الجينات الإضافية التي تملأ جينومها الضخم بواسطة أجزاء منسوخة من حمضها النووي. إذ تحتوي بعض الكروموسومات الفردية لسمكة الرئة على عدد من النيوكليوتيدات يعادل حجم الجينوم البشري بأكمله.

يُعد هذا الشكل من توسع الجينوم -بالنسخ- قوةً دافعة مهمة للتطور، مع وجود أدلة على أنه يساعد على تزويد الكائنات الحية بالقدرة على التكيف بسرعة مع البيئة المتغيرة.

يُعد سمك الرئة الأسترالي سجلًا حيًا لتطورنا، وبعد الحفاظ على التاريخ الجيني فترةً طويلة، فهي الآن مهددة بفعل الأنشطة البشرية التي تسبب تبدل بيئات المياه العذبة، الموطن الرئيسي لهذه الأسماك.

تصطاد سمكة الرئة الضفادع، والديدان وقواقع الحلزون، فضلًا عن مضغ النباتات المائية، وتعتمد غالبًا على الخياشيم للتنفس، لكن رئتها الوحيدة تسمح لها بالخرج إلى الهواء النقي عندما تُقلص الظروف الجافة بيئتها المائية.

يضيف عالم الوراثة الخلوية إيلي تاناكا: «لا شك أن هذا الجينوم الذي توصلنا إلى تسلسله حديثًا سيكشف المزيد من أسرار الفقاريات الغريبة في المستقبل، لن تعلمنا فقط أشياء عن التكيف مع الحياة على الأرض، بل قد تفسر أيضًا كيف تتطور جينومات معينة لتصبح كبيرة جدًا»

اقرأ أيضًا:

هذه السمكة القديمة تعطي الدليل التطوري الأقدم لحيوان مزود بأصابع

أسماك اليابسة

ترجمة: وائل المشنتف

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر