يعود الرجل إلى المنزل من العمل مرهقًا مرة أخرى، بعد اجتماع محبط آخر كان يمكن إجراؤه عبر الإنترنت، ومحادثة متوترة مع زميل في العمل عن حالة ثلاجة غرفة الاستراحة، وحركة المرور السيئة المتوقعة في طريقه إلى المنزل، ألقى بنفسه على أريكة غرفة المعيشة، وتنفس بعمق، وفتح التلفاز ليشاهد برنامجه المفضل؛ إذ إن كل ما يريده هو التخفف من الضغط في صمت.

وكما هي العادة، سمع الباب الخلفي يُفتح، فقد عادت زوجته إلى المنزل، وبطريقة ما كانت مرحة أكثر من أي وقت مضى.

عندما دخلت الغرفة وخلعت معطفها، أخذت لحظة لتتوقف عند النافذة الأمامية، قائلة: «ما أروع الطقس اليوم!».

ما التصرف المناسب الآن؟ الجواب قد يكون مهمًا أكثر مما تعتقد!

قضى جون غوتمان حياته المهنية في دراسة ما يجعل العلاقات تستمر، وما اكتشفه عملي بقدر ما هو مهم، إذ تمكن بواسطة بحثه من تحديد الصفات والممارسات التي تجعل الزوجين ينجحان في علاقتهما، وما قد يجعل العلاقة تتحول إلى كارثة.

لقد وجد فرقًا صغيرًا غير ملحوظ، لكنه مهم، بين الناجحين في العلاقات والفاشلين فيها، هذا الفرق الذي يتوقع مستقبل علاقاتهم. في اللحظات الصغيرة من الحياة اليومية معًا، يكون الناجحون في العلاقة أكثر استجابةً لمحاولات شركائهم التفاعل معهم.

هذه المحاولات للمشاركة، أو المبادرات العاطفية، هي أي مجهود من جانب أحد الشريكين للتواصل مع الآخر أو جذب انتباهه، وقد تكون هذه المبادرات واضحة جدًا مثل الاحتضان وقت النوم، أو خفية مثل تعليق غير مباشر عن الطقس.

كيف تبني التفاصيل الصغيرة علاقة متينة أو تهدمها - أهمية الشركاء الذين يبادرون بالمبادرات العاطفية - الأسباب التي تزيد من الرضا عن الزواج

وجد غوتمان أن الشركاء الذين يبادرون بالمبادرات العاطفية، أو يتجاوبون معها على نحو إيجابي باستمرار، أكثر قابلية للشعور بالرضا والبقاء معًا بمرور الوقت، مقارنةً بمن لم يفعلوا ذلك. في دراسة استمرت 6 سنوات على المتزوجين حديثًا، اكتشف غوتمان أن الأزواج الذين بقوا معًا توجهوا نحو المبادرات العاطفية لبعضهم بنسبة 86% من الوقت، أما من لجأوا إلى الطلاق فلم يمارسوا المبادرات لبعضهم إلا 33% من الوقت.

بمرور الوقت، تتحول كل اللحظات التي تبدو غير مهمة في الحياة اليومية لعلاقة ما إلى شيء بالغ الأهمية، حدد غوتمان 4 استجابات مختلفة يستخدمها الناس عادةً عندما يرسل شريكهم مبادرة عاطفية تجاههم، يمكن كل منها دعم شعور التكاتف والأمان في العلاقة أو هدمه، إذ يمكننا أن: نتجه نحو شريكنا، أو نتجه بحماس نحو شريكنا، أو نبتعد عن شريكنا، أو نخالف شريكنا.

في المثال السابق، يتلقى الزوج المرهق من يومه مبادرة عاطفية من زوجته عندما تعلق على الطقس، وهنا لديه عدة خيارات: يمكنه أن يجيب زوجته بعبارة قصيرة وبسيطة مثل: «نعم، إنه كذلك»، مستجيبًا لإشارتها، أو يمكنه أن يتحمس للمشاركة معها في محادثة أطول عن اليوم، أو أن يتجاهلها عازفًا عن التعليق، أو أن يقاطعها بخشونة مطالبًا ببعض السلام والهدوء.

مع أن الاستجابة الحماسية لعطاء عاطفي تحظى دائمًا بالتقدير، فإنه في كثير من الأحيان يكون مجرد الاعتراف بمبادرة شريكك كافيًا لتعميق الاتصال، فأنت لست مضطرًا لتقديم طاقة وانتباه وتركيز متواصل لتكون ناجحًا في العلاقة.

كيف تُحدِث مثل هذه اللحظات الصغيرة فرقًا كبيرًا في علاقاتنا؟ بالتوجه المستمر نحو شريكك عندما يتواصل معك بطرق صغيرة، فإنك تقوي علاقتك ضد ضغوط الحياة وعقباتها. يُعد العطاء العاطفي طريقة صغيرة نسأل بها شركاءنا يوميًا: «هل أنت هنا معي؟» أو «هل أنا مهم لك؟». تزداد أهمية الإجابة عن هذه الأسئلة حال وجود خيانة سابقة، أو إذا كان لأحد الشريكين تاريخ مع تجربة مؤلمة أو صدمة نفسية، لذلك إذا كان الجواب «نعم!» على مدار العلاقة، فإنك تقوي الثقة والتواصل بينكما.

انتبه للطرق الصغيرة التي يحاول بها شريكك التواصل معك، سيساعدك البحث عمدًا عن طرق للتوجه نحو شريكك على أن تكون أكثر فعالية في التواصل معه، ففي كل مرة تتجه نحو شريكك ردًا على مبادرة عاطفية، فإنك تقوي صحة علاقتكما وأمانها، ما يعمق الشعور بالأمان والقدرة الحقيقية على معرفة شريكك والتعرف عليه، الشعور الذي ينشأ بواسطة التوجه المتعمَّد والمستمر نحو شريكك، والإحساس المشترك بالألفة والانسجام، ويرتبط بزيادة الرضا عن الزواج.

يذكرنا جون غوتمان في عمله بأن الأشياء الصغيرة التي نفعلها غالبًا هي التي تحدث فرقًا أكبر في العلاقات، ولذلك فإنك تحمي علاقتك من الإهمال وتعِّمق الحب الذي تشاركه بالاستجابة للمبادرات العاطفية لشريكك.

اقرأ أيضًا:

تسع نصائح للتغلب على ضغوط العلاقات العاطفية في ظل جائحة كورونا

الضجر في العلاقات: هل أتحمل أنا المسؤولية أم شريكي؟

ترجمة: يمام نضال دالي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر