تعد البولارونات من الظواهر النانوية المهمة، فهي تكوين مؤقت ما بين الإلكترونات والذرات -المعروف باسم أشباه الجسيمات- التي تنبثق للوجود لمدة أجزاء من تريليون من الثانية فقط. تتميز هذه التكوينات بخصائص فريدة قد تساعدنا في فهم بعض السلوكيات الغامضة للمواد التي تتشكل بداخلها، علمًا أن العلماء قد رصدوها للتو لأول مرة. قيست البولارونات في مادة البيروفسكايت الهجينة الرصاصية، وهي مواد خلايا شمسية من الجيل التالي، تعد بتعزيز معدلات التحويل حتى تصبح أفضل من ألواح السيليكون المستخدمة بشكل أساسي في الوقت الحالي، ويأمل العلماء أن يوضح لنا رصد بولارون بالضبط كيفية يحوّل البيروفسكايت ضوء الشمس إلى كهرباء بهذا المعدل الجيد.

بهدف العثور على البولارونات، سلط العلماء الضوء على البلورات المفردة من البيروفسكايت الهجين الرصاصي، ومشاهدة تلك العملية باستخدام ليزر (إلكترون حر) عملاق يعمل بالأشعة السينية يسمى (مصدر الضوء المتناسق – ليناك) القادر على تصوير المواد عند أصغر المقاييس خلال أقصر الفترات الزمنية وصولًا إلى تريليون جزء من الثانية (أو البيكو ثانية).

رسم توضيحي للبولارونات في بيروفسكايت الرصاص الهجين.

رسم توضيحي للبولارونات في بيروفسكايت الرصاص الهجين.

يقول الفيزيائي بوراك جوزيلتورك من مختبر أرغون الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية: «عندما تضع شحنة في مادة ما بتسليط الضوء عليها، كما يحدث في خلية شمسية، تتحرر الإلكترونات وتبدأ هذه الإلكترونات الحرة بالتحرك حول المادة».

ويضيف: «سرعان ما تصبح تلك الإلكترونات محاطة ومغمورة بما يشبه فقاعة تشوه المكان -البولارون- التي تنتقل معها. بعض الآراء تفيد بأن هذه الفقاعة تحمي الإلكترونات من نشر العيوب في المادة، وتساعد في تفسير سبب انتقالها بكفاءة إلى السطح الملامس للخلية الشمسية لتتدفق بهيئة كهرباء».

رغم أن البيروفسكايت واعد بصفته مادة للألواح الشمسية، فليس من الواضح تمامًا سبب امتلاكها الكثير من العيوب التي قد تحد من مدى تدفق التيار من خلالها، وهي معروفة بأنها هشة وغير مستقرة، قد تقدم البولارونات بعض الإجابات.

البولارونات هي جوهريًا تشوهات انتقال قصيرة لبنية الشبكة الذرية للمادة، وقد ثبت أنها تتحرك حول 10 طبقات من الذرات نحو الخارج، أدى التشوه إلى زيادة تباعد الذرات المحيطة بنحو 50 مرة -إلى 5 أجزاء من المليار من المتر- ضمن مجال عشرات البيكو ثانية.

كانت التشوهات أو الفقاعات الدقيقة أكبر مما كان يتوقعه العلماء، ما سمح لها بالحركة خلال البنية الشبكية الذرية المرنة والناعمة للبيروفسكايت الهجين، تتصرف المادة بأسلوب ما كمادة صلبة وسائلة في نفس الوقت.

يقول عالم المواد آرون ليندنبرج من جامعة ستانفورد: «لقد استحوذت هذه المواد على مجال أبحاث الطاقة الشمسية بسرعة كبيرة نظرًا لكفاءتها العالية وتكلفتها المنخفضة، لكن الناس ما يزالون يتجادلون حول سبب عملها».

ويضيف: «فكرة أن البولارونات قد تكون متضمنة، كانت موجودة منذ سنوات عدة، لكن تجاربنا هي الأولى من نوعها للرصد المباشر لتشكيل هذه التشوهات المكانية، بما في ذلك حجمها وشكلها وكيفية حركتها».

بينما يستخدم البيروفسكايت فعليًا في إنتاج الطاقة الشمسية، غالبًا مع السيليكون، فلا يخلو من التحديات، وبينما نرى مكاسب كبيرة من حيث الكفاءة من هذه المواد، يفترض أنها قادرة على تحصيل المزيد من الكفاءة.

وعلى مر السنين، يواصل العلماء التغلب على العقبات التي أبقت كفاءة الألواح الشمسية أقل مما ينبغي، ومع تزايد اعتمادنا على مزارع الطاقة الشمسية، قد تشكل التحسينات حتى لو كانت بمقدار بضع نقاط مئوية فرقًا كبيرًا.

على أي حال، فالباحثون الذين اكتشفوا بولارون حريصون على تأكيد أنهم لم يجيبوا على جميع الأسئلة حول أشباه الجسيمات هذه حتى الآن، فهناك الكثير لنتعلمه عن تأثيراتها على البيروفسكايت والمواد الأخرى.

يقول ليندنبرج: «بينما تُظهر هذه التجربة بصورة مباشرة قدر الإمكان أن هذه الأجسام موجودة بالفعل فإنها لا تظهر كيف تساهم في كفاءة الخلية الشمسية، وما يزال هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به لفهم كيفية تأثير هذه العمليات على خصائص تلك المواد».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أدلة على خلود مجموعة من الجسيمات الكمية!

القطيرات الكمية: حالة جديدة للمادة

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر