يعرف كل منا شخصًا يمر باكتئاب أو قلق، لكنه متردد بشأن الحصول على المساعدة النفسية المتخصصة. ومع أن كل حالة مختلفة عن الأخرى، فقد سلطت دراسة جديدة الضوء على الأسباب التي قد تجعل بعض الأشخاص -خاصةً الرجال- يمتنعون عن رؤية طبيب أو معالج نفسي.

سابقًا اكتشف باحثون من جامعة أوكلاهوما نمطًا مثيرًا للاهتمام، إذ اكتشفوا أن الأطفال الأمريكيين الذين عانوا مشكلات نفسية كانوا أقل احتمالًا لتلقي المساعدة النفسية المتخصصة إذا كانوا يعيشون في إحدى الولايات الأمريكية الجنوبية أو الغربية، أو ما يُسمى ولايات الشرف.

قدم الباحثون تفسيرين منطقيين لهذا النمط الغريب، الأول هو أن الأهل في تلك الولايات لديهم مشاعر متناقضة تجاه حصول أبنائهم على المساعدة النفسية، لذلك يقل احتمال تلقي الأبناء المضطربين لهذه المساعدة. الثاني هو أن هذه الولايات توفر خدمات مرتبطة بالصحة النفسية أقل مقارنةً بسائر الولايات، فقد يرغب الأهل بتوفير الدعم النفسي لأطفالهم، لكن وجودهم في ولاية بها أعداد قليلة نسبيًا من المعالجين والعيادات النفسية يحول دون ذلك.

لكن لماذا قد يتردد الأهل حيال طلب المساعدة النفسية الاختصاصية لأولادهم في هذه الولايات؟ يرى الباحثون أن الإجابة تكمن في القيم الثقافية هناك.

فالعديد من الأشخاص نشأوا وسط ثقافة تمجد الاعتماد على النفس والصلابة والرد العنيف على الإهانات الشخصية. إضافةً إلى ذلك، تنحدر العائلات في تلك الولايات من أصول أسكتلندية أو أيرلندية كانت تعمل بالرعي، وفي المجتمعات التي تعتمد على الرعي كانت ثروة العائلة المتمثلة في قطعان الخراف مثلًا معرضة لخطر السرقة، وللحفاظ عليها يجب التمتع بالصلابة والاعتماد على النفس، وكذلك نمّت تلك العائلات حساسيةً مفرطة تجاه الإهانات الاجتماعية واستعدادًا للرد بعنف عليها.

لماذا يتجنب البعض خدمات الصحة النفسية - الأسباب التي قد تجعل بعض الأشخاص يمتنعون عن رؤية طبيب أو معالج نفسي - الحصول على الرعاية النفسية

إن نتائج ثقافة الشرف هذه متشعبة، فقد كانت المبارزة للدفاع عن الشرف ممارسة شائعة في الجنوب حتى بعد اندثارها في الشمال. في ولايات الشرف تكون معدلات العنف المنزلي أعلى وكذلك معدلات جرائم القتل، خاصة تلك المتعلقة بالدفاع عن الشرف. وفي الولايات الجنوبية يوجد قانون «احمِ أرضك» الذي يسمح للشخص بالقتل دفاعًا عن نفسه ضد الأخطار المحتملة، وإن كان بمقدوره الانسحاب بسلام من المواقف التي قد يتعرض فيها للتهديد.

أجرى فريق من الباحثين من جامعة يورك بقيادة الطبيب النفسي ستيفن فوستر دراسة لفهم الأسباب التي تجعل أهالي هذه الولايات أقل طلبًا لخدمات الرعاية النفسية، وافترضوا أن الأشخاص الذين يميلون للمحافظة على سمعة تتسم بالصلابة والاعتماد على الذات أقل احتمالًا لطلب الرعاية النفسية لأنهم يقلقون من أن يعد الآخرون ذلك علامة ضعف.

اعتمد الباحثون في الدراسة على نتائج مشاركة 156 طالبًا من الولايات الجنوبية في استطلاع صُمّم لقياس أربعة متغيرات متعلقة بالموضوع. عينة الدراسة لم تكن بالحجم أو التنوع الكافي لتُعد شاملةً، لكنها كانت كافية لاختبار صحة النظرية.

  1.  قبول الاعتبارات المتعلقة بالشرف: ويشير إلى ذلك الاتفاق مع عبارات مثل «أعتقد أن الشرف أحد أهم الأمور التي أملكها بوصفي إنسانًا»، أو «الرجل الحقيقي هو من يراه الآخرون شخصًا صلبًا».
  2.  الاعتبارات المتعلقة بالسمعة: ويشير إلى ذلك الاتفاق مع عبارات مثل «أفكر غالبًا بالأمور التي يمكنني فعلها لتحسين سمعتي».
  3.  الوصمة المتعلقة بطلب الرعاية النفسية: يشير إلى ذلك الاتفاق مع عبارات مثل «سأشعر بعدم الكفاءة إذا طلبت الرعاية النفسية» أو «سينظر الآخرون إلى الشخص بطريقة أقل تقبلًا لو عرفوا أنه يراجع طبيبًا نفسيًا».
  4.  النية لطلب الرعاية النفسية: يشير إلى ذلك الاتفاق مع عبارات مثل «أنا مستعد للذهاب إلى معالج نفسي مستقبلًا».

تشير النتائج إلى أن الطلاب الذين كانت تشغلهم اعتبارات الشرف بقوة كانوا أقل احتمالًا لطلب الرعاية النفسية، وأن سبب هذه العلاقة هو رغبة الطلاب في الحفاظ على سمعة جيدة، ومخاوفهم من أن الآخرين ينظرون إلى من يطلب الرعاية النفسية نظرةً سلبية.

اتضح أن الأشخاص الذين يعيشون في ولايات الشرف يخشون تضرر سمعتهم إذا سعوا للحصول على الرعاية النفسية، والنتيجة المؤسفة لهذا الاعتقاد المرتبط بالثقافة هي قلة الحصول على المساعدة النفسية في هذه الولايات.

تُكتسب الاعتقادات والقيم المتعلقة بثقافة الشرف عفويًا منذ الصغر دون توجيه ملموس، وهذه القيم يصعب تغييرها. ينصح مسؤولو الرعاية الصحية بأخذ اعتبارات الوصمة المتعلقة بطلب المساعدة النفسية ومخاوف الأشخاص على سمعتهم بالحسبان عند تقديم المساعدة النفسية للأشخاص المحتاجين إليها.

اقرأ أيضًا:

أشيع المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالصحة النفسية

كيف تؤثر العزلة في الصحة النفسية؟

ترجمة: محمد علي شيخ عثمان

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر