تصاعدت أزمة مايو 1968 في فرنسا لتصبح إضرابًا عامًا شمل المعامل ومختلف الصناعات عبر البلاد وأوقف توزيع الصحف والنقل الجوي وسكتا حديد رئيسيتين، وبنهاية الشهر كان عدد العمال المضربين عن العمل بالملايين وبدت فرنسا على وشك التعرض لثورة يسارية راديكالية.

تمتعت فرنسا بفترة من الاستقرار مع ستينيات القرن العشرين بعد انتهاء الأزمة الجزائرية في خمسينيات القرن المذكور، إذ سقطت الإمبراطورية الفرنسية وتحسن الاقتصاد وكان الرئيس شارل ديغول زعيمًا محبوبًا، لكن الاستياء العام رقد تحت السطح خصوصًا عند الطلاب الشباب الذين لم يعجبهم نظام الدراسة الجامعي القديم وقلة الوظائف المتوفرة لخريجي الجامعات.

بدأت مظاهرات طلابية متفرقة تنادي بإصلاح النظام التعليمي في 1968، وفي الثالث من مايو فرقت الشرطة مظاهرة في السوربون -أشهر جامعة في باريس- واعتقلت مئات الطلبة وجُرح العشرات منهم في العملية، وعقب الحادثة توقفت الدروس في السوربون ونزل الطلاب في شوارع الحي اللاتيني -حي الجامعة في باريس- ليواصلوا احتجاجاتهم.

سقط في الصدامات التي اندلعت بين الطلاب والشرطة في السادس من مايو في الحي اللاتيني مئات الجرحى وفي ليلة العاشر من مايو نصب الطلاب المتاريس يقطعون بها طرق الحي اللاتيني واندلعت أعمال الشغب، فنتج عن ذلك دخول نحو 400 شخص المستشفى، كان أكثر من نصفهم أفرادًا من الشرطة.

ثورة 1968 في فرنسا: لمحة تاريخية - الاحتجاجات التي حصلت في فرنسا عام 1968 - المظاهرات الفرنسية في عام 1968 - إصلاح النظام التعليمي الفرنسي

بدأ الطلاب اليساريون ينادون بتغييرات جذرية في الاقتصاد والسياسة في فرنسا، وخطط زعماء اتحاد العمال (نقابة العمال) لإضربات عن العمل دعمًا للمظاهرات الطلابية، أما رئيس الوزراء الفرنسي جورج بومبيدو فقد أعلن عن استئناف الدراسة في السوربون في 13 مايو في مسعى لنزع فتيل الأزمة وإعادة الطلاب الى الدراسة، وفي ذلك اليوم احتل الطلاب بنايات السوربون وحولوها إلى تجمع محلي يساري، واشتركوا مع العمال في مظاهرات اجتاحت شوارع باريس.

انتشر الاضطراب إلى جامعات فرنسية أخرى في الأيام القليلة التالية، وعمّت الإضرابات البلاد حتى اشترك فيها ملايين العمال فشُلّت فرنسا. وفي مساء 24 مايو اندلع أشنع اقتتال في أزمة مايو بباريس، إذ احتل الطلاب الثوريون بورصة المدينة مؤقتًا ورفعوا العلم الشيوعي الأحمر فوق مقرها قبل أن يحاولوا إضرام النار فيها، وقد قُتل أحد رجال الشرطة نتيجة أعمال العنف التي شهدتها تلك الليلة.

تفاوض رئيس الوزراء بومبيدو مع قادة اتحاد العمال في الأيام القليلة التالية وقدم عددًا من التنازلات إلا أنه فشل في إنهاء الإضراب، ونادى الطلاب المتطرفون بالثورة علانيةً لكنهم خسروا دعم عموم القادة الشيوعيين وقادة نقابات التجار الذين خافوا أن تكتسحهم ثورة يقودها الفوضويون فيكون مصيرهم مصير أنصار ديغول.

أعلن الرئيس الفرنسي ديغول -عبر أثير الإذاعة في 30 مايو- أنه سيحلّ الجمعية الوطنية (مجلس العموم: أحد قسمي البرلمان الفرنسي) وسيدعو لإقامة انتخابات جديدة، وطلب ديغول -في خطابه- الالتزام بالقانون وحفظ النظام وهدد ضمنيًا بإنزال الجيش لإحلالهما في البلاد إن استدعى الأمر.

احتشد أنصار ديغول حوله وكذلك فعل المواطنون من الطبقة الوسطى، وبدأت الإضرابات بالتوقف تدريجيًا، أما احتجاجات الطلبة فقد استمرت حتى 12 يونيو حين صدر أمر بمنعها، وبعد يومين طُرِد الطلاب من مباني السوربون.

فاز أنصار ديغول في الانتخابات التي جرت في دورتين (بتاريخي 23 و30 يونيو) بأغلبية تتيح لهم التحكم بالجمعية الوطنية، لكن احتجاجات مايو لم تذهب سدى؛ إذ نتج عنها قيام حكومة ديغول بعدة تنازلات منها رفع أجور العمال وتحسين ظروف العمل وتمرير برنامج إصلاح تعليمي كبير هدفه تحديث التعليم الجامعي.

بعد 11 سنة من الحكم، استقال ديغول من رئاسة الدولة في 1969 وخلفه بومبيدو، ومات ديغول في السنة التالية قبل أن يتم ثمانين عامًا من العمر.

اقرأ أيضًا:

قصر فرساي وعلاقته بالثورة الفرنسية

الثورة الروسية بدايات القرن العشرين

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: أيمن الشطي

المصدر