تحدث عدسة الجاذبية عندما تخلق الأجسام ذات الكتلة تموجات وانخفاضات في نسيج الزمكان، ويتعين على الضوء اتباع هذه الخطوط ما يخلق أحيانًا تأثير عدسة مكبرة. يبدو هذا شيئًا غريبًا ويشبه الخيال العلمي، ولكنه في الواقع أداة مهمة جدًا في علم الفلك.

ظهر تلسكوب الفضاء جيمس ويب في الأخبار كثيرًا مؤخرًا لأنه رصد كيف ينحني الضوء حول تجمعات المجرات الضخمة في الفضاء، ما يكشف عن مجرات قديمة أبعد وذات ضوء أضعف.

يحاول الآن سلافا توريشيف -عالم في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا- استغلال إحدى عدسات الجاذبية بقربنا، باستخدام شمسنا.

في ورقة بحثية جديدة نُشرت في arXiv، يحسب توريشيف كل الرياضيات والفيزياء التفصيلية المطلوبة ليظهر أنه في الواقع يمكننا استغلال جاذبية شمسنا بهذه الطريقة مع بعض الاستخدامات الرائعة. يمكن أن تساعد ما يسمى بـ عدسة الجاذبية الشمسية (SGL) في إرسال ومضات ضوئية إلى النجوم للاتصال بين النجوم أو استكشاف سطوح الكواكب البعيدة خارج المجموعة الشمسية.

يقول نيك توساي، عالم فلك في جامعة بنسلفانيا غير مشارك في العمل الجديد: «باستغلال تأثير عدسة الجاذبية لنجمنا، ستشهد علم الفلك قفزة ثورية في قدرته على المراقبة. يعمل الضوء في كلا الاتجاهين، لذلك يمكن أن يعزز أيضًا قدرتنا على الإرسال، إذا كان هناك أي شخص هناك للتواصل معه».

عندما يتعلق الأمر بالتلسكوبات على الأرض، يكون الأكبر هو بالتأكيد الأفضل. نحتاج إلى مرآة أو عدسة ضخمة لتركيز الضوء لجمع ما يكفي من الضوء لرؤية الأجسام البعيدة والباهتة، ولكننا نستطيع بالفعل بناءها فقط بحجم معين. هنا يأتي دور عدسة الجاذبية الشمسية، بديلًا لبناء تلسكوبات أكبر، تعتمد بدلاً من ذلك على ثني الزمكان بفعل جاذبية الشمس للقيام بالتركيز عن أجلنا.

يشرح ميسي هيوستن، عالم فلك في جامعة بيركلي غير مشارك في البحث الجديد: «استخدام العدسة الجاذبية الشمسية يغنينا عن الحاجة إلى بناء تلسكوبات أكبر وبدلاً من ذلك يثير مشكلة كيفية نقل تلسكوب إلى المسافة البؤرية للشمس وكيفية الحفاظ عليه هناك، وهناك الكثير من العمل الجاري لمحاولة حل هذا».

يعمل توريشيف بنشاط على تصميم مهمة لإرسال تلسكوب بقطر متر واحد -أقل من نصف حجم تلسكوب هابل- إلى بؤرة جاذبية الشمس. إنها رحلة طويلة إلى حد كبير، إذ تقع هذه النقطة البؤرية على بُعد حوالي 650 وحدة فلكية من نجمنا، ما يقارب خمس مرات من بُعد مركبة فوياجر1. للوصول إلى مثل هذا المسافة الهائلة في أقل من عمر الإنسان، يعتمد الفريق على تقنية الإبحار الشمسي المتقدمة للتحرك بسرعة أكبر من أي وقت مضى.

يدرس حاليًا تلسكوب جيمس ويب الفضائي الغلاف الجوي لكواكب حول نجوم أخرى، ومن المأمول أن يكون مرصد العوالم القابلة للعيش في العقد الرابع من القرن الواحد والعشرين قادرًا على رؤية تفاصيل كافية في الغلاف الجوي لكواكب خارج المجموعة الشمسية للعثور على مؤشرات على وجود حياة. وتكون مهمة توريشيف القادمة الخطوة الكبيرة التالية نحو تأكيد وجود الحياة على عوالم أخرى، آملين إطلاقها تقريبا عام 2035.

عندما يحدد تلسكوب جيمس ويب ومرصد العوالم القابلة للعيش عوالم قد تكون مثيرة للاهتمام، سيرسم تلسكوب عدسة الجاذبية الشمسية خريطة سطح كوكب خارجي بالتفصيل. يزعم توريشيف أنه سيكون قادرًا على رؤية كوكب بتفاصيل تصل إلى 700×700 بيكسل، وهذا تحسّن كبير على تصوير الصور المباشر الحالي الذي يصل إلى 2 أو 3 بيكسل فقط.

يشرح توريشيف: «إذا كان هناك مستنقع على الكوكب الخارجي حيث يطلق الميثان، سنعرف أن هذا ما يوجد على هذه القارة في هذه الجزيرة على سبيل المثال».

نظرًا إلى مستقبل الخيال العلمي، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا نفسها ليس فقط تلسكوبًا يمكننا استخدامه من داخل المجموعة الشمسية لرؤية أنظمة الكواكب الأخرى بتفصيل كبير، ولكن أيضًا شبكة اتصال بين النجوم للاتصالات المتعمدة، وفقًا لما قاله هيوستن. يمكن لليزر موجود عند التركيز الجاذبي للشمس إرسال رسائل إلى النجوم الأخرى دون فقدان إشارة كبير مثل تكنولوجيا الإشارة الحالية الموجودة على الأرض.

يقول توساي: «إذا كنا سنصبح يومًا حضارة بين النجوم، فإن عدسة الجاذبية الشمسية يمكن أن تكون وسيلة التواصل الأكثر فعالية بين أنظمة النجوم».

إشارات الراديو التي تتسرب من الغلاف الجوي الأرضي منذ بداية القرن العشرين، تصبح بسرعة أقل كلما اتجهت بعيدًا عن كوكبنا. تظهر الحسابات الرياضية لتوريشيف أن الإشارات المرسلة من عدسة الجاذبية الشمسية يمكن أن تُلاحظ بسهولة على مسافات النجوم القريبة، حتى عند مراعاة الخلفية المشوشة في العالم الحقيقي. إرسال الإشارات عبر عدسة الجاذبية الشمسية بحسب توريشيف: «ليس محظورًا، بل تشجع الفيزياء عليه فعلًا».

ومع ذلك لن تحل هذه التكنولوجيا جميع مشكلاتنا بين النجوم. قد نكون قادرين على إرسال رسائل، ولكن ما زلنا لا نمتلك وسيلة لإرسال أنفسنا إلى ما بين النجوم. سيكون هناك أيضًا تأخير هائل في اتصالاتنا الفضائية.

يقول توساي: «الضوء ما يزال لديه سرعة قصوى». ونتيجة لذلك، سيستغرق إرسال رسالة إلى نجم يبعد أربع سنوات ضوئية، أربع سنوات للوصول إليه، وأربع سنوات أخرى للرد علينا. ومع ذلك، تعد عدسة الجاذبية الشمسية خطوةً كبيرةً نحو تحقيق مستقبلنا الخيالي في مجال العلوم.

اقرأ أيضًا:

لماذا سترسل ناسا صواريخ لدراسة كسوف الشمس؟

كيف ستموت الشمس؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: باسل حميدي

المصدر