ستنجح المهمة الصينية الواعدة إلى المريخ في إحضار عينات منه، قبل ناسا بعدة سنوات.

تُواصل الصين التقدم بخطى ثابتة جزءًا من هدفها أن تصبح قوة فضائية عظمى، ومنافسًا مباشرًا لوكالة ناسا. إضافةً إلى خطتها لتوسيع محطة «تياجونج» الفضائية، وإنشاء محطة أبحاث قمرية دولية، تخطط الصين أيضًا لإرسال بعثات بشرية مأهولة إلى سطح كوكب المريخ في العقد المُقبل.

تستعد الصين لإيصال بعثة من رواد الفضاء إلى الكوكب الأحمر، لجلب عينات من تربة المريخ وصخوره إلى الأرض، قبل عامين تقريبًا من الموعد المتوقع والمُخطط له من قبل مشروع وكالة ناسا لجلب العينات المريخية.

هذه المهمة الثالثة من نوعها في برنامج «تايانوين 3» التابع لإدارة الفضاء الصينية الوطنية، وتتألف من عمليتي إطلاق فضائي في عام 2028، لإحضار العينات إلى الأرض بحلول يوليو 2031.

طورت الصين نموذجًا رقميًا جديد لمحاكاة بيئة الغلاف الجوي لكوكب المريخ. ما يُعرف بـ «النموذج العالمي المفتوح للبيئة الجوية الكوكبية للمريخ» أو «الانطلاق إلى المريخ»، يدعم هذا النموذج التحضيرات اللازمة للمهمة «تايانوين 3».

نُشر ذلك في ورقة بحثية بعنوان «تطوير جيل جديد للنموذج الجوي للمريخ»، وضعها باحثون في معهد فيزياء الغلاف الجوي وأكاديمية العلوم الصينية، ومختبر المحاكاة الرقمية الرئيسي الدولي لعلوم الغلاف الجوي الديناميكية الجيولوجية، ومعهد علوم الكواكب والأرض التابع للأكاديمية الصينية للعلوم.

خلال العقدين الماضيين، ازداد عدد البعثات والمهمات الفضائية ووكالات الفضاء المساهمة في استكشاف المريخ. حاليًا، تستكشف عشر مهمات سطح الكوكب وغلافه الجوي، يشمل ذلك سبع مركبات مدارية ومركبتين جوالتين ومروحية خاصة. مع وجود المزيد من الرحلات الجوية المتوجهة إلى المريخ في العقد المقبل، إضافةً إلى البعثات المأهولة، ستزداد الحاجة إلى إجراء أبحاث تتوقع الطقس المريخي.

لتوفير معلومات عن الظروف الجوية حول مواقع الهبوط المحتملة لمهمة تايانوين 3، أنشأ الفريق نموذجًا جويًا مفتوحًا للمريخ، واستخدموا هذا النموذج لتوليد المكونات الثلاثة الرئيسية للغلاف الجوي المريخي: الغبار والماء وثاني أكسيد الكربون.

ثم اختبروا النموذج باستخدام مجموعة بيانات «أوبن مارس»، وهي سجل عالمي للطقس المريخي بين عامي 1999 و2015، إضافةً إلى الملاحظات التي أجراها مسبار «تشورونغ» الصيني -الذي يعد جزءًا من مهمة تايانوين 1- ومسباري فايكنج 1 و2 التابعين لوكالة ناسا.

أظهرت النتائج أن نموذج «الانطلاق إلى المريخ» قد أعاد توليد الخصائص الفريدة للضغط السطحي على المريخ بنجاح كبير، وقد قدم تجربة محاكاة جيدة لحرارة السطح والرياح والجليد القطبي والغبار.

تُعد مهمة تايانوين 3 امتدادًا لمهمة تايانوين 1، بإضافة مهمات إضافية للهبوط وجمع العينات والعودة، ما يتطلب معلومة مُفصلة بشأن الظروف الجوية للمريخ. وذلك أمر بالغ الأهمية إذ تضررت الكثير من المهمات السابقة بفعل العواصف الرملية، مثل مهمات: أوبرتونيتي وإنسايت وزيورونغ، إذ تعرضت لتجمع الغبار على ألواحها الشمسية.

أيضًا، تعرضت مركبة بيرسيفيرنس الجوالة للأذى في أحد أجهزة الاستشعار الهوائية خلال عاصفة رملية، نتيجة ارتطام الحصى المحمول جوًا بها. ونظرًا إلى نقص بيانات المراقبة للمريخ، يتضمن النموذج تطبيقات لمحاكاة الواقع الافتراضي للكوكب.

ذلك أمر مهم عند التحضير لمهمات إلى الكواكب البعيدة، ويسهم أيضًا في تصميم المركبات واختيار الموقع المناسب للهبوط. إن برنامج «المريخ الافتراضي» الذي يتضمن مهمة «الانطلاق إلى المريخ»، إضافةً إلى الملاحظات المستقبلية، قد يكشف الكثير من الغموض حيال خطط المهمات المستقبلية.

منذ الستينيات، بدأت المشروعات الفضائية السوفيتية والأمريكية بإرسال أجهزة استطلاع إلى المريخ، وطور العلماء نماذج مريخية جوية آملين التغلب على الغموض المحيط بالكوكب الأحمر. ومع دخول دول جديدة مضمار إرسال المهمات المريخية، أصبحت الحاجة إلى نماذج مناخية جوية أمرًا مُلحًا.

قد يؤثر الغبار والأحوال الجوية بشدة في المراحل المختلفة للاقتراب من السطح، التي تشمل دخول الغلاف الجوي والانخفاض وأخيرًا الهبوط، وقد تؤثر أيضًا في العمليات السطحية، خاصةً ما يتعلق بالألواح الشمسية، ووسائل التواصل، وأدوات الاستشعار.

هذا قد يمثل مشكلةً خلال مرحلة الصعود، إذ تحاول المهمة الوصول إلى المدار والعودة إلى الأرض.

بوسع مشروع «الانطلاق إلى المريخ» محاكاة الحرارة في منطقة الهبوط، ما سيساعد العلماء على اختيار المواد المناسبة لتصميم مركبات المريخ الجوالة، لمواجهة البرد القارس.

بحلول أوائل العقد المقبل، تعتزم ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية إرسال مهمة جلب العينات من المريخ، لإحضار العينات التي حصلت عليها مركبة بيرسيفرانس. ستتكون هذه المهمة من مسبار ناسا للحصول على العينات، ومروحيتين لإحضار العينات، ومركبة الصعود إلى المريخ، ومركبة العودة إلى الأرض التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية. يُتوقع انطلاق هذه المهمة عام 2033 بحد أقصى، بالتزامن مع انطلاق أول مهمة مأهولة تابعة لناسا إلى المريخ.

اقرأ أيضًا:

الأرض تدور حول الشمس، ونظامنا الشمسي بأكمله يدور حول الثقب الأسود في منتصف مجرتنا. فكم رحلة قطعنا إلى الآن؟

رصد إشارات غامضة من أعماق الكون لم يسبق رصدُها من قبل

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر