يمكن لفيروس جدري الماء والهربس الهاجع في العصبونات أن يُعاد تفعيله ويزيد من خطر حدوث سكتة دماغية. حدّد بحث جديد السبب المحتمل.

الأشخاص الذين لديهم حالة نشطة من الهربس أكثر عرضة للخطر بنسبة 80% لحدوث سكتة دماغية مقارنةً بمن ليس لديهم هذه الحالة. والمرضى دون سن الأربعين أكثر عرضة للخطر.

أجرى الدراسة أندرو بوباك، أستاذ مساعد باحث في الطب العصبي، جامعة كولورادو.

يملك أكثر من 90% من سكان العالم الفيروس المُسبب لجدري الماء هاجعًا في جهازهم العصبي. التقط معظم الناس الفيروس النطاقيّ الحماقي (VZV)، عندما أُصيبوا بجدري الماء في طفولتهم. في حالة نحو ثلث هؤلاء الأشخاص، يُعاد تفعيل هذا الفيروس بعد سنوات ويسبب الهربس، الذي يُسمى أيضًا الهربس النطاقي.

أكثرنا على دراية بالطفح المؤلم الذي يسببه الفيروس الحماقي النطاقي للمصابين، مع ذلك قد يحدث طيف واسع من المضاعفات الأخرى من دون أعراض جلدية مرئية. تُعد السكتة الدماغية من المضاعفات الوخيمة لتلك الحالة، تحديدًا السكتة الدماغية الإقفارية، التي تحصل عندما يحد تضيق الشرايين أو تكون خثرة فيها إمداد الدم إلى الدماغ.

المصابون بالهربس أكثر عرضة للخطر بنسبة 80% لحدوث سكتة دماغية مقارنةً بغير المصابين، ويبقى الخطر مرتفعًا مدةً تصل إلى عام بعد شفاء الطفح الجلدي. يتضاعف خطر حدوث السكتة الدماغية مرتين تقريبًا حال وجود طفح على الوجه، وثلاث مرات في حالة المرضى دون سن الأربعين.

الآلية الكامنة وراء هذا الخطر طويل المدى للإصابة بالسكتة الدماغية ما زالت غير محددة. اقترح بعض الباحثين أن العدوى المباشرة للشرايين قد تكون السبب. لكن بعض مظاهر العدوى بالفيروس الحماقي النطاقي تقترح أسبابًا أخرى محتملة. من الحالات الشائعة المرتبطة بالإصابة بالفيروس الحماقي النطاقي: الالتهاب المزمن الذي ينتشر خارج الموقع الأصلي للعدوى، والذي قد يبقى مُعندًا لأسابيع أو أشهر، إذ يصبح الفيروس غير قابل للكشف وهاجعًا مرة أخرى.

درس الباحثون كيف يسهم الفيروس الحماقي النطاقي في حدوث اضطرابات عصبية كالسكتة الدماغية والخرف. في البحث الأخير، وجدوا أن إعادة تفعيل الفيروس الحماقي النطاقي يحفز تشكيل أكياس خلوية، تُسمى «إكسوزمات»، تحوي بروتينات تسهم في تخثر الدم والالتهاب. قد تسبب زيادة هذه البروتينات خطرًا متزايدًا لحدوث سكتة دماغية.

الإكسوزمات تحوي بروتينات تسبب تخثر الدم:

الإكسوزمات حويصلات صغيرة، أو أكياس مملوءة بسائل، تتكون داخل الخلايا في جميع أنحاء الجسم. تبدو مثل صندوق يحمل بضائع، كالبروتينات والأحماض النووية، من الخلية إلى أنسجة بعيدة. رغم أهميتها للوظائف البيولوجية الأساسية كالاتصال بين الخلايا، فإن للإكسوزومات دور جوهري في تقدم المرض، وتُعد أهدافًا للأدوية المستخدمة لعلاج العديد من الأمراض.

سعى الباحثون لدراسة: هل يطور المصابون إكسوزمات تحمل بروتينات تشارك في تخثر الدم، فتزيد خطر الإصابة بالسكتة الدماغية؟ لذلك عزلوا إكسوزمات من دم ثلاثة عشر مريضًا وقت ظهور طفح الهربس، وقارنوها بإكسوزمات معزولة من متبرعين أصحاء.

بتحليل محتويات الإكسوزمات، وجدوا أن لدى مرضى الهربس بروتينات تخثر أعلى بتسعة أضعاف مقارنةً بغير المصابين بالهربس. ووجدوا أن الإكسوزمات لدى مرضى الهربس يزداد محتواها من بروتينات التخثر بعد ثلاثة أشهر من الطفح البدئي.

للتحقق من الأمر، عرّض الباحثون صفيحات دموية- شدف خلوية مشاركة في تخثر الدم- مأخوذة من أشخاص أصحاء، لإكسوزمات من مرضى مصابين بالهربس وآخرين غير مصابين.

وجدوا أن تعريض الصفيحات لإكسوزمات الهربس دفعها للتكتّل وتشكيل تكدّسات مع خلايا دموية أخرى، كما يحدث عند تكوين خثرة دموية.

تقترح هذه الاكتشافات أن الإكسوزمات قد تمثل آلية محتملة تبيّن كيف يمكن للفيروس الحماقي النطاقي زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية لدى المرضى المصابين بالهربس.

دراسة مسألة السكتة الدماغية والهربس:

يوجد لقاح معتمد من منظمة الغذاء والدواء للوقاية من الهربس، اسمه «شينغريكس»، متاح للبالغين بعمر خمسين فأكثر، وللأشخاص ضعيفي المناعة بعمر ثمانية عشر عامًا فأكثر. مع ذلك، فإن المرضى ذوي الخطورة الأعلى للإصابة بالسكتة الدماغية هم أشخاص دون سن الأربعين، أي إنهم غير مؤهلين للحصول على لقاح شينغريكس.

من المرجّح أن الكثير من الأشخاص لم يُلقَّحوا ضد فيروس جدري الماء في طفولتهم، إذ لم تتم الموافقة على اللقاح في أمريكا قبل عام 1995، وكان معدل تلقي اللقاح آنذاك منخفضًا. في حين يقلل التلقيح ضد فيروس جدري الماء خطر الإصابة بالهربس بدرجة كبيرة، قإن العدوى الكامنة مازال من المحتمل أن يُعاد تفعيلها وتسبب المرض.

توفر الدراسة الحالية دليلًا على طريقة محتملة يمكن للهربس من خلالها أن يزيد خطر الإصابة بالسكتة الدماغية في غضون فترة قصيرة من العدوى. نحن بحاجة إلى مزيد من البحث حول المدة التي يستمر فيها هذا الخطر. يُجري الباحثون دراسات متابعة لتقييم المدة التي يتزايد خلالها ميل المرضى لتشكيل خثرات دموية بعد شفاء عدوى الهربس لديهم.

ستتحرى هذه الدراسات المطوّلة أيضًا: هل بإمكاننا استخدام الإكسوزمات بوصفها علامات حيوية لمراقبة خطر السكتة الدماغية بعد الإصابة بالهربس؟

إلى ذلك الحين، يأمل الباحثون أن هذه الاكتشافات قد توفر هدفًا محتملًا لتطوير العلاج، وتشجيع الناس على التلقيح ضد الهربس.

اقرأ أيضًا:

لقاح الحماق (لقاح جدري الماء): كل ما يجب معرفته

الحماق أو جدري الماء: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: ميلاد أبو الجدايل

تدقيق: بدور مارديني

المصدر