الشعور بعدم الارتياح أمر طبيعي، يحدث للإنسان من وقت لآخر تجاه الصورة الشخصية، لكن متى يؤثر في تقدير الذات؟

أدى السيلفي وتطبيقات الفلاتر إلى ثقافة عدم الشعور بالأمان، والمقارنة بين الأشخاص، ما يصعب التخلص منه.

وفقًا لباتريك بيرن، طبيب جراحة الوجه وإعادة البناء الترميمي: «للمرة الأولى في تاريخ البشرية، نحمل أجهزة نستخدمها لالتقاط ومشاركة الصور. أدى هذا إلى هوس بالمظهر كما يظهر على الشاشة، ما غيّر التحديات التي يواجهها الناس».

يشرح الدكتور بيرن كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في تصور النفس، وكيف أن ثقافة تعديل الصور الحالية قد زادت من حالة تُسمى اضطراب التصور الجسدي.

العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وتصور الجسد:

سهلت الفلاتر وتطبيقات تعديل الصور التقاط الصورة المثالية «السيلفي المثالي». لكن لا يمكن إدراك قدر التعديلات التي تحدث خلف الكواليس، عند رؤيتنا للصور المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول الدكتور بيرن: «عند نشر صورة خاصة أو عند الظهور في اجتماع عبر الإنترنت، قد يشعر الأشخاص بالصدمة وخيبة الأمل لأنهم لا يبدون مذهلين أو كما يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي. لبعض الأشخاص، قد يكون ذلك مصدرًا للقلق وحتى للعار».

قد يتحول هذا القلق والعار بسرعة إلى قضايا تصور الذات وحتى إلى اضطراب التصور الجسدي، وهو حالة صحيّة ونفسية تجعل الشخص مشغولًا بأفكار حول مظهره، والعيوب التي يعتقد أنه يراها.

وفقًا للدكتور بيرن: «يتميز اضطراب التصور الجسدي بالقلق الشديد بشأن أحد العيوب الجسدية».

هل اضطراب التصور الجسدي هو نفسه انخفاض الاهتمام بالذات؟

لا. مشكلات تصور الذات والتفكير السلبي بالمظهر الشخصي لا تعني بالضرورة وجود اضطراب التصور الجسدي، وهو حالة لها تشخيص محدد. الأشخاص الذين يعانون اضطراب التصور الجسدي يجدون صعوبة في الحفاظ على وظيفة أو قد يفزعون من الخروج من المنزل، وربما يعانون الاكتئاب وإساءة استخدام المواد.

لكن في الحالات المختلفة عن اضطراب التصور الجسدي، تمكن مواجهة مخاوف حقيقية جدًا بشأن تصور الذات الذي يبدأ أو يزداد سوءًا بسبب ما يراه الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يوضح الدكتور بيرن:«قد يشعر أي أحد بهذا الشعور أحيانًا، بعض الصفات التي نراها في اضطراب التصور الجسدي نراها أيضًا لدى الأشخاص الذين لا يعانون هذا الاضطراب».

الفلاتر وأدوات التعديل متوفرة في كل مكان:

في عصرنا الحالي، يمكن تعديل الصور بسهولة حسب رغبة الأشخاص، بدءًا من التعديلات البسيطة باستخدام تطبيق (فيس تون) إلى فلاتر (تيك توك) التي تغير ملامح الوجه تمامًا، وصولًا إلى أدوات الذكاء الاصطناعي التي يصعب اكتشافها تقريبًا والتي تغير الحجم وشكل الجسم.

يقول الدكتور بيرن: «تسبب الفلاتر وأدوات التعديل الكثير من القلق، وتحديدًا القلق من الذات. عندما لا يعجبك مظهرك على الشاشة، يمكنك ببساطة تصحيحه بلمسة إصبع سحرية».

يذكر تقرير بريطاني دراسةً تضمنت 175 شخصًا بعمر بين 18 و30 عامًا. وجدت الدراسة أن 90% من المشاركين قد استخدموا أحد الفلاتر أو أدوات تعديل الصور لتعديل صورهم قبل نشرها على الإنترنت.

التعرض المتواصل للصور الشخصية:

يفحص الأمريكيون هواتفهم 144 مرة في اليوم وسطيًا، ما يعني رؤية الكثير من وجوه الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يؤثر هذا التعرض المستمر سلبًا في حياة الأشخاص.

يوضح الدكتور بيرن: «قبل ظهور الفلاتر، اعتقد العديد من الأشخاص أنهم يبدون أسوأ مما هم عليه في الواقع، وقد ازداد اهتمام الأشخاص بتعديل الصور لأنهم يشاهدون الصور الشخصية باستمرار عبر منصات التواصل الاجتماعي».

يعمل العديد من الأشخاص الآن من بُعد، فيشاهدون الصور الشخصية طوال اليوم، ليس فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أيضًا عبر مكالمات الفيديو مع زملائهم.

التكنولوجيا تشوّه المظهر:

ما يراه الأشخاص على هواتفهم ليس بالضرورة هو ما يراه الآخرون في الواقع. وحتى من دون فلاتر، فإن التكنولوجيا لا تعرض الحقيقة دائمًا.

يمكن لعكس الصورة -أي أن تكون السيلفي معكوسة عما تبدو عليه في الواقع- أن يغير شكل الوجه من حيث الحجم والتناظر. وجدت دراسة أن صور السيلفي تغيّر تناسب الوجه، ما يجعل الأنف يبدو أكبر بنسبة 30% من حجمه الحقيقي.

يوضح الدكتور بيرن: «تقدم التكنولوجيا تشوهات إدراكية عبر العديد من الطرق. مثلًا، عند التقاط صور احترافية عالية الدقة في بعض الأحيان، يرى بعض الأشخاص تلك النسخة الدقيقة من أنفسهم على الشاشات ويرتبكون، ولا يمكنهم تحديد أين الخطأ، إنهم يبنون صورتهم الذاتية على وسيط غالبًا ما يشوه ملامح وجههم».

عام 2010، قبل تطور الفلاتر وتكنولوجيا تعديل الصور، وجدت الدراسات أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك، دفع المستخدمين إلى مقارنة أنفسهم وأجسامهم بالآخرين.

يقول الدكتور بيرن: «أصبح معظم الأشخاص مهتمين بعالم الصورة كثيرًا، وساهم تطور خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الاهتمام. إنها حقًا وسيلة غير صحية، خصوصًا للشبان الذين ما زالوا يطورون ثقتهم بأنفسهم».

كيفية التوقف عن التململ من «العيوب»:

إذن ما الحل؟ كما هو الحال مع العديد من أمور الحياة الأخرى، ليس الأمر بسيطًا، لكن توجد بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لمحاولة التقليل من الحكم على النفس ووقف المقارنة بالآخرين، منها:

 أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي

إذا كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس، فيجب التخفيف من الاستخدام قدر الإمكان. معرفة الوقت المناسب للابتعاد عن الشاشة، والانقطاع عن الإنترنت بتحديد وقت لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي واعتماد تقنيات الوعي.

 الاعتراف بقيود التكنولوجيا

يجب أن نتذكر أننا أشخاص طبيعيون، وهذا ما يراه الآخرون وأن الصور ومقاطع الفيديو هي مجرد لقطة زمنية، وليس بالضرورة أن تكون دقيقة.

 تقبل النقائص

هل تعلم أن 2% فقط من سكان العالم يمتلكون وجوهًا متماثلة؟ إنها ظاهرة نادرة، وحتى التناظر في حد ذاته لا يعني الكمال.إذ يتضمن أي وجه عيوبًا، أو أجزاء في الوجه تختلف عن المقاييس المعروفة للجمال.

أيضًا فإن أنظمة الدماغ لدى معظم الأشخاص ليست فعالة في تحديد أو إدراك تفاصيل وجوه الآخرين، ما يعني رؤية المزيد من العيوب الذاتية أكثر مما يراه أي شخص آخر.

 تقبل الذات

توجد مقولة مضمونها: إن الإنسان هو أسوأ عدو لنفسه. هذا صحيح بالنسبة إلى العديد منا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بثقتنا بأنفسنا وما نعتقد أن الآخرين يلاحظونه فينا.

 العمل على بناء صورة صحية للذات

إذا بدا الأمر صعبًا للغاية فيما يتعلق بالإيجابية الجسدية، فمحاولة الوصول إلى الحياد تجاه الجسد أمر مهم، وهي نهج يركز على حب الذات والقبول بشكل أكبر.

 التعلم من ثقة الآخرين بأنفسهم

عبارة «اغتنم الفرصة حتى تنجح» قد تكون أسهل قولًا من الفعل، لكن الدكتور بيرن يقدم نصيحة قد تساعد على التجربة: «المرضى الذين يتمتعون بثقة كبيرة بأنفسهم يميلون إلى اختيار ذكرياتهم للصور التي تبدو جيدة. يفترضون أن هذا هو مظهرهم الحقيقي في عيون العالم».

حال وجود مشكلات متعلقة بالثقة في النفس، قد يميل الأشخاص إلى تجاهل أو تجاوز صورهم الجميلة معتبرينها استثناءات. لكن عند التفكير في الأمر، إذا كنا نفترض أن الصور السيئة تعكس الطريقة التي يبدو بها الشخص حقيقةً فلم لا يكون العكس هو الصحيح؟

 طلب المساعدة عند الحاجة إليها

يُعتقد أن تغيير المظهر بواسطة الجراحة التجميلية أو حقن الفيلر يجعل الأشخاص يشعرون بتحسن. لكن غالبًا لا يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون اضطراب التصور الجسدي. 20% فقط من المرضى الذين يعانون اضطراب التصور الجسدي يعدّون الإجراءات التجميلية التي أجروها مفيدة.

من الطبيعي وجود رغبة لدى الأشخاص في تغيير شيء ما في أجسادهم والبحث عن عمليات تجميل أو بوتوكس أو أي نوع آخر من الإجراءات للقيام بها، لكن من المهم أيضًا معرفة ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله من بين الإجراءات التجميلية، وما يناسب كل شخص وفقًا لحالته.

باختصار، لا تغير الجراحة التجميلية ما بداخل الشخص. «تغيير مظهر الوجه وخاصةً عند إجراء عملية ناجحة، لن يحل جميع مشكلات الحياة»، يقول الدكتور بيرن: «بطبيعة الحال، تمكن المساعدة على تحسين الصورة الذاتية، لكن سيبقى الشخص مع الأمور ذاتها التي تحدث في حياته».

اقرأ أيضًا:

التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يخفف مشاعر القلق والاكتئاب والوحدة

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من خطر الاكتئاب لكافة السمات الشخصية

ترجمة: سارة دامر

تدقيق: غفران التميمي

المصدر