التفسير النفسي للإسهال الكلامي، لماذا يتحدث بعض الناس بشكل قهري أكثر من غيرهم؟

يُعد الكلام جزءًا من كيفية برمجة الدماغ للتواصل الاجتماعي والبقاء على قيد الحياة. ويتحدث بعض الناس بطريقة مفرطة وبسرعة مُبالغ فيها. والإفراط في الكلام هو فعل التجاوز أو التحدث بشكل قهري لا يمكن السيطرة عليه، فقد يكون الشخص الذي يتحدث كثيرًا مصابًا باضطراب في الصحة العقلية مثل اضطراب ثنائي القطب، أو قد تكون سمة سلوكية أو شخصية.

تتناول هذه المقالة سيكولوجية الأشخاص الذين يتحدثون كثيرًا.

الإسهال الكلامي والشخصية:

قد يحدث الإسهال الكلامي بسبب سمات الشخصية أو الخصائص الفردية. ويستعيد الأشخاص الأكثر انفتاحًا طاقتهم عن طريق الانخراط اجتماعيًا مع الآخرين في المحادثة، في حين يستعيد الانطوائيون طاقتهم عن طريق قضاء الوقت بمفردهم. وغالبًا ما يفكر المنفتحون بصوت عالٍ، في حين يفكر الانطوائيون داخليًا أكثر ويفضلون التفكير العميق. أما الشخص الانطوائي الأكثر تحفظًا والأقل ثرثرة، فقد يبدو المنفتح له وكأنه يتحدث بطريقة مفرطة، أي أن المشكلة قد تكون بسبب اختلاف في سمات الشخصية.

لماذا يتحدث بعض الناس كثيرًا؟

في كثير من الأحيان، قد لا يعرف الشخص الذي يتحدث بطريقة مفرطة أنه يفعل ذلك. وكما ذُكر آنفًا، فقد يكون سبب كثرة الكلام حالات الصحة العقلية التالية:

  •  اضطراب ثنائي القطب: قد يتحدث الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب بطريقة مفرطة من خلال الكلام المضغوط (السريع والعاجل) عندما يكون دماغهم في حالة هوس.
  •  الفصام: هو اضطراب نفسي يؤثر في الدماغ، وغالبًا ما يؤثر في كيفية تحدث الشخص، ما يسبب ضغطًا على الكلام وعدم انتظامه، فتصعب متابعته.
  •  اضطرابات الشخصية: قد يتحدث الأشخاص ذوو الاضطرابات الشخصية -وخاصةً اضطراب الشخصية النرجسية- بطريقة مفرطة، ويُظهرون أنماطًا مختلفة من الإسهال الكلامي.
  •  اضطرابات القلق: قد يدفع القلق الشخص إلى التحدث بطريقة مفرطة. وفي حين أن العديد من المصابين بالقلق الاجتماعي قد يتجنبون التفاعلات الاجتماعية، فقد يتحدث بعضهم بطريقة مفرطة عن غير قصد عندما يكونون في مواقف اجتماعية تؤهب للقلق.
  •  اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD): يميل الأشخاص المصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط إلى التحدث بطريقة مفرطة، وكثيرًا ما يقاطعون حديث الآخرين.

تصنيف الإسهال الكلامي:

يُعد تقييم كلام الشخص جزءًا من اختبار الحالة العقلية، وهو نوع من التقييم الذي يقوم به مقدمو الرعاية الصحية العقلية غالبًا في المواعيد الطبية. وتقدم جودة كلام الشخص في كثير من الأحيان مؤشرات على حالته العقلية. وفيما يلي تصنيف الإسهال الكلامي:

  •  الكلام المضغوط: هو كلام سريع وعاجل حتى أن الآخرين قد يجدون صعوبة في مقاطعته أو الحصول على كلمة واضحة فيه. ويحدث عادةً عندما يعاني شخص ما قلقًا شديدًا، أو لدى مرضى الفصام، أو تحت تأثير المخدرات، أو عند حدوث نوبة هوس، في سياق اضطراب ثنائي القطب.
  •  اللفظية المفرطة (فرط الثرثرة): الكلام اللفظي المفرط هو التحدث بسرعة مع زيادة معدل الكلمات وعددها. ويشير هذا النوع من الكلام إلى القلق عادةً أو أن الشخص يعاني حاليًا نوبة هوس.
  •  كلام غير منظم: ينتقل الكلام غير المنظم بسرعة من فكرة إلى أخرى بطرق تصعب متابعتها. ويتضمن أيضًا أفكارًا غير مرتبطة ببعضها أو تكون خارج سياق الحديث. وقد ينجم الكلام غير المنظم عن الفصام. ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
  •  المصطلحات الجديدة (الابتداع اللغوي): هي كلمات مُختلَقة أو لغة عامية يكون استخدامها ممتعًا وتشير إلى التحولات في اللغة، لكن في سياق الكلام غير المنظم، يكون استخدام المصطلحات الجديدة غير واضح تمامًا أو خارجًا السياق.
  •  الجمل مع كلمات غير مرتبطة ببعضها.
  •  الصدى الصوتي أو تكرار ما يقوله شخص آخر بالضبط.
  •  الكلمات المُقفّاة (الكلمات التي لها قافية، ولكنها لا تتسق كمفاهيم واضحة)
  •  حديث قهري لا يُقاوم: يحدث الحديث القهري عندما يشعر شخص ما بأنه لا يستطيع التوقف عن الكلام أو أنه يستمر في التحدث دون توقف. وقد ينتج أيضًا عن القلق الشديد، وتأثير تعاطي بعض المخدرات، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

مع اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، يقفز الدماغ بسرعة من مفهوم إلى مفهوم، لذا يعاني الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ضعف التحكم في الانفعالات، وغالبًا ما يشعرون بالقلق بدرجة كافية للتحدث بطريقة مفرطة، ويواجهون صعوبة في تبادل الأدوار في المحادثات، ويقاطعون الآخرين مرارًا. وفي بعض الأحيان، يتحدث الناس بشكل قهري لأنه في الواقع وسيلة لتجنب المشاعر المؤلمة، فيكونون مشغولين جدًا بالحديث الذي يبقيهم بعيدًا عن مشاعرهم؛ لتجنب التعامل مع الألم أو القلق الذي قد يأتي مع المشاعر.

علاج الإسهال الكلامي:

قد يستفيد الأشخاص الذين يتحدثون كثيرًا من رؤية مقدم الرعاية الصحية؛ لمعرفة السبب والعثور على أفضل خيارات العلاج الممكنة. ولكن هناك بعض استراتيجيات الإدارة التي يمكن تجربتها وحدهم.

مهارات التحكم في الذات عند الحديث الزائد:

تشير الأبحاث إلى أن نحو 40% من كلام الشخص يدور حول نفسه. وينشط الحديث عن الذات مراكز المكافأة في الدماغ. لذلك، في حين أنه من الضروري اجتماعيًا التوقف عن التحدث بطريقة مفرطة في بعض الأحيان، فقد يكون من الصعب الوقوف ضد توصيلات الدماغ التي ترغب في المزيد.

فيما يلي بعض الاستراتيجيات للتحكم في فرط الثرثرة:

  •  يمكن الاستماع أكثر من التحدث: يجب على الشخص أخذ دقيقة من الصمت، والتوقف عن التحدث لتحسين مهارات الاستماع لديه، ومحاولة تخصيص بعض الوقت لملاحظة التفاصيل التي عادةً ما تُفوَّت في أثناء تحدث الشخص الآخر.
  •  التفكير في لعبة التنس: لا ينبغي أن تكون المحادثات تجربة في اتجاه واحد، بل يجب أن تكون أشبه بمباراة التنس، إذ تدور المحادثة ذهابًا وإيابًا بين الأشخاص مثل كرة التنس.
  •  ضبط مؤقت ذهني: في الثواني القليلة الأولى من المحادثة، يحظى المتحدث بالاهتمام الكامل للمستمع، ولكن كلما طالت المدة، لا سيما مع اقترابها من دقيقة واحدة، قد يبدأ بفقدان انتباهه، وقد يصبح الأمر مُتفاقمًا ويفقد المستمع رغبة الاستمرار في المحادثة.
  •  ملاحظة الإشارات الاجتماعية: إذا كان لدى الشخص ميل إلى المبالغة في الحديث، فيمكنه تحويل اهتمامه أكثر إلى الإشارات الاجتماعية في أثناء التحدث. فإذا بدأ الناس بالنظر حولهم أو التململ أو التحقق من ساعتهم أو هاتفهم، فربما يكون قد تجاوز الترحيب بحديثه.

خيارات العلاج:

قد يخلق الإسهال الكلامي عبئًا على التفاعلات الاجتماعية، لذا يكون العلاج مفيدًا للمريض ومحيطه.

قد تساعد خيارات العلاج التالية على الحديث المفرط:

  •  العلاج السلوكي المعرفي (CBT): أثبت العلاج السلوكي المعرفي فعاليته في علاج العديد من أسباب الإسهال الكلامي، بما في ذلك القلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
  •  العلاج السلوكي الجدلي (DBT): العلاج السلوكي الجدلي هو أحد أنواع العلاج السلوكي المعرفي، يُستخدم غالبًا لمساعدة الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية (الذي قد يسبب الكلام المفرط). ويركز على اكتساب مهارات التحكم والتنظيم العاطفي التي قد تكون مفيدة في علاج كثرة الحديث.

كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يتحدثون بإفراط:

فيما يلي بعض النصائح للتعامل مع المتحدثين بإفراط ولديهم حالة من الإسهال الكلامي:

  •  وضع حد لذلك: يجب علي الشخص إعلام المتحدثين بإفراط أنه مُتاح للتحدث لفترة زمنية محددة مثل 15 أو 20 دقيقة. وقد يكون من المفيد تذكيرهم باقتراب الوقت من النهاية أنه لم يتبقَ سوى بضع دقائق.
  •  الاعتذار عند الضرورة : قد يُضطَر الشخص إلى مقاطعة المتحدثين المفرطين لإعفاء نفسه من المحادثة.
  •  التخطيط لذلك: إذا كان الشخص متوجهًا إلى موقف يعرف فيه أنه سيواجه متحدثين مفرطين، فقد يحاول إشغال نفسه بحرفة أو نشاط لإبقائه مشغولًا وبعيدًا عن المحادثة.

خلاصةً، يخلق الإفراط في الحديث عبئًا اجتماعيًا لكل من الشخص المتحدث والمستمعين. لذلك، هناك أشياء تساعد على تجنب المبالغة في الحديث مثل وضع حد زمني للمحادثات، أو الاهتمام بالإشارات الاجتماعية، أو طلب المساعدة من مقدم خدمات الصحة العقلية.

اقرأ أيضًا:

الحبسة الكلامية: فقدان القدرة على استخدام اللغة وفهمها

هل تعاني من التأتأة؟ كيف يحدث ذلك؟

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: ألاء ديب

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر