تُعدّ متلازمة أنطون تظاهرًا لتلف الفص القذالي ثنائي الجانب لدى المرضى المصابين بالعمى القشري. يفتقر المريض إلى البصيرة وينكر العمى، ويرفض التشخيص ويعيش مع رؤياه الخاصة.

تختلف هذه المتلازمة عن متلازمة تشارلز بونيه التي يعاني المرضى فيها من فقدان البصر والهلوسة مع إدراك تام لعجزهم عن الرؤية.

تاريخ المرض

بدايةً أطلق على المرض اسم طبيب الأعصاب غابرييل أنتون، عالم فيزيائي نمساوي وصف المرضى الذين يعانون من عدم إدراك فقدانهم البصر. تعود الحالات المُسجلة الأولى إلى الرومان الذين وصفوا في البداية حالة فتاة اسمها (Harpaste) التي أنكرت إصابتها بالعمى، وله تسمياتٌ أخرى مثل: أنطون-بابنسكي، وعمى أنطون، وعمه العاهة البصري.

يشعر المصابون بمتلازمة أنطون بأن رؤيتهم طبيعية بسبب التخليط المفصل (الذكريات الخاطئة التي يولدونها دون نية الكذب) ووصف البيئة المحيطة، ما يؤخر تشخيص فقدان البصر لديهم.

يتضح الخلل عندما يبدأ المريض بوصف أشخاص أو أشياء غير موجودة، أو يتعثر كثيرًا بالأشياء في أثناء مشيه، ورغم ذلك قد يبقى المريض مُنكرًا لعدم قدرته على الرؤية حتى عند إثبات العكس.

غالبًا ما تكون متلازمة أنطون نتيجة ثانوية لحوادث الوعائية الدماغية CVA، فنراها بالدرجة الأولى لدى أفراد مسنين لديهم عوامل خطر متعددة لأمراض الأوعية الدموية.

الأدبيات الطبية المُسجلة عن المتلازمة محدودة جدًّا، وقد أُبلغ عن حالاتٍ في الفئات العمرية الأصغر بمسبباتٍ غير وعائية، فقد سُجّلت حالة من متلازمة انطون بسبب تفاقم مرض التصلب العصبي المتعدد MS لدى امرأة تبلغ 24 عامًا، وأخرى ثانويًا للصدمة لدى امرأة تبلغ 36 عامًا، ونزيف الولادة بعد الإجهاض غير الكامل في امرأة 19 عامًا، قد تنتج المتلازمة أيضًا عند إصابة التشعّع البصري ثنائي الجانب بمتلازمة تروسو.

المسببات

تنتج متلازمة أنطون عن تلف القشرة القذالية ثنائي الجانب، يشيعُ حدوثها بعد العمى القشري بسبب حادث وعائي دماغي، وتذكر الأدبيات الطبية أيضًا أسبابًا أخرى مثل: الاعتلال الدماغي الناجم عن ارتفاع ضغط دم الحامل، والرضوض، والتصلب اللويحي المتعدد بالمراحل المتقدمة.

كانت بعض حالات متلازمة أنطون أيضًا تالية لحالات طبية تسببها، وهي جراحة قلبية، أو نزيف الولادة، كذلك متلازمة MELAS الناتجة عن خلل وراثي بالميتوكوندريا (المتقدرات)، وتصوير الأوعية الدماغية، وحثل الغدة الكظرية، والتهاب الأوعية في الجهاز العصبي المركزي، واعتلال المادة البيضاء متعدد البؤر المترقي المرتبط بفيروس نقص المناعة البشرية.

عمومًا يمكن القول أن أي مسبب لعمى الفص القذالي الثنائي قد يتظاهر بمتلازمة أنطون، لكنه عرض نادر الحدوث.

الفيزيولوجيا المرضية

لم تُعرف الفيزيولوجيا المرضية لمتلازمة أنطون بدقة حتى الآن، المرضى المصابين بتلف في القشرة البصرية الأولية ثنائي الجانب لديهم أيضًا أذية في قشرة الترابط البصري، تسبب هذه الأذية بدورها فقدان البصيرة لحالتهم.

أوضحت نظرية أخرى أن آفات المادة البيضاء الجدارية هي المسببة لمتلازمة الانفصال. إضافةً إلى ذلك، فإن انقطاع الاتصال بين القشرة البصرية التالفة وباحات الكلام العاملة يساهم في تشويش استجابات المرضى.

لا توجد وقاية أولية محددة لمتلازمة أنطون، و لكن يجب التركيز على الوقاية من السكتة الدماغية، كونها المسبب الأشيع للمتلازمة بلا منافس.

التشخيص والفحص السريري

تُشخص المتلازمة سريريًا بناءً على قصة التخليط الذهني، أو دليل الفحص السريري لفقدان البصر، والنتائج الطبيعية للفحص بمنظار قعر العين، وتشخيص تلف الفص القذالي.

يتضح فقدان البصر التام عند الفحص البدني للمصاب بمتلازمة أنطون. لا تُلاحظ موجودات مرضية بتنظير قعر العين، وتكون حركات العين سليمة عند إخبار المرضى شفهيًا بالاتجاه الذي يجب أن ينظروا إليه، لكنهم ليسوا قادرين على تتبع إصبع أو منبع ضوئي. قد يحافظ المصابون بالعمى القشري على إدراك حركات اليد (بما يُسمّى بظاهرة ريدوخ) عندما تكون الأجسام المتحركة مرئية ولكن الأجسام الثابتة ليست كذلك.

لا يرمش المرضى المصابون بمتلازمة أنطون استجابة لتهديد إيماءات اليد، ويكون منعكس الحدقة سليم لأن الآفات القذالية خلفية للنواة الركبية الوحشية، ويكون المنعكس القرني سليم أيضًا لأنه غير معتمد على المدخلات القشرية.

يتضح أن المرضى يمارسون برمجة لغوية عصبية (NLP) عند اختبار حدة البصر، مع أنهم ليسوا مدركين للإصابة بالعمى إطلاقًا. يُلاحظ هذا النقص في الوعي فورَ مشاهدة المريض أو التحدث إليه، فإذا طُلب من المريض أن يصف الطبيب، فقد يعطي وصفًا بصريًا خاطئًا تمامًا، وإذا طلب الطبيب منه أن يمد يده للمصافحة، فقد يمدها في الاتجاه الخاطئ.

في الظروف التي تكون فيها متلازمة أنطون ثانوية لطيف متنوع من الأمراض المذكورة سابقًا (ارتفاع ضغط الدم، والصدمات، والتصلب اللويحي المتعدد) قد تكون نتائج الفحص المرتبطة بهذه الحالات إيجابيةً، كنزيف الشبكية الناتج عن ارتفاع ضغط الدم، وتلف العصب البصري بسبب الصدمة، وشلل الحملقة بين النوى INO وإصابة السبيل الحدقي الوراد RAPD الناجمين عن مرض التصلب المتعدد.

قد يصاب مرضى الحوادث الوعائية الدماغية الكبيرة السابقة بعقابيل حركية أو حسية ناتجة عن تلف قشري في مناطق الأوعية الدموية المشتركة. يجدر الشك بمتلازمة أنطون في المرضى ذوي الفحص البنيوي الطبيعي للعين مع نقص تام في حدة البصر وقلة الوعي والبصيرة بالعمى.

العلامات والأعراض

كثيرًا ماتبدأ تظاهرات المرض بوصف أشخاص أو أشياء غير موجودة، أو تعثر في أثناء المشي، ويبقى المريض مُنكرًا لفقدانه الرؤية حتى عند إثبات المحيطين به لذلك.

عند سؤال أحد المرضى في تقارير الحالات المُسجّلة عن ربطة عنق الطبيب أو شكله الخارجي، كانت ردوده سريعة ولكن غير صحيحة. وفي حالة أخرى يُطلب من المريض مثلًا مصافحة الطبيب، فيمدّ المريض يده بعيدًا عن الاتجاه الصحيح.

كان مرضى آخرون قادرين على إطعام أنفسهم وتلمّس الأواني، لكنهم بحاجة مساعدة للشرب دون انسكاب، ويقبل بعضهم المساعدة دون الإقرار بفقدان البصر.

الاستقصاءات المطلوبة

يُفيد التصوير المقطعي المحوسب للرأس CT والتصوير بالرنين المغناطيسي MRI في البحث عن تلف واضح في الفص القذالي، كعلامات الاحتشاء ونقص التروية أو النزف غالبًا، أو رؤية الآفات المزيلة للميالين عند مرضى التصلب المتعدد. يُؤَكّد العمى التام بإظهار غياب الاستجابة عند تحريض القدرات البصرية.

تشخيص تفريقي لمتلازمة أنطون

يشمل التشخيص التفريقي لمتلازمة أنطون: متلازمة تشارلز بونيه والخرف، والهلوسة البصرية بسبب الذهان (النفسي أو المُحرَّض بالمواد)، وادعاء المرض، والتخليط الناتج عن متلازمة فيرنكيه كورساكوف. يعاني مرضى متلازمة تشارلز بونيه من فقدان البصر، مع الهلوسة المعقدة دون فقدان بصيرتهم بخصوص عجزهم، بينما مرضى متلازمة أنطون غير مدركين لفقدانهم البصري.

يعاني مريض الخرف من نقص في الوعي المعرفي، فلا يدرك اضطراب ذاكرته، وقد يشعر بتخليط ذهني أيضًا، ولكن يعود ذلك إلى عدم قدرته على تذكر الأحداث والذكريات بدقة وليس عدم القدرة على الرؤية.

وبالمثل، فإن التخليط في متلازمة كورساكوف الناجمة عن نقص الثيامين (فيتامين B1) ينتج عن فجوات في الذاكرة. يظهر هذا الاضطراب العصبي النفسي مع عجز في كل من الذاكرة التقدمية والاسترجاعية، وافتقار كبير للذاكرة قصيرة الأمد والحس السليم.

مريض كورسكاوف ليس لديه اعتلال الدماغي بعكس مريض فيرنيكيه، الذي يختلق القصص في وعي واضح ويسدُّ بها فجوات الذاكرة، بينما يحتفظ مرضى متلازمة أنطون بذاكرة آنية سليمة ولديهم القدرة على الاستجابة بدقة لفحص حدة البصر.

فيما يخصُّ الهلوسة البصرية الناجمة عن الذهان بسبب المخدرات، فإن التوقف عن التعاطي يؤدي إلى اختفاء الأعراض فورَ زوال تأثير المادة السامة، وعمومًا فإن المرضى الذُّهانيون أكثر عرضة للهلوسة السمعية غير المرتبطة بمتلازمة أنطون.

يستطيع أطباء العيون كشف المرضى المُدَّعين وليس لديهم في الواقع عجز بصري، وذلك باستخدام اختبارات بصرية موضوعية تبيّن الوظيفة البصرية المركزية السليمة.

العلاج العام

يعتمد علاج متلازمة أنطون على علاج العامل المسبب المفترض لتلف الفص القذالي. فمثلًا بحالة مريض متلازمة أنطون الثانوية لتفاقم مرض التصلب العصبي المتعدد، عُولج بالميثيل بريدنيزولون وريديًا وفصادة البلازما، فحصل الشفاء التدريجي على مدى عامين بدأ باستبصار متأخر لحالة العجز وإدراكه تمامًا في نهاية المطاف.

العلاج الطبي

تُعد الحوادث الوعائية الدماغية السبب الأشيع لمتلازمة أنطون، وعليه يُعد اتخاذ احتياطات منتظمة من السكتة الدماغية أمرًا ضروريًا جدًا، ويتضمن ذلك ضبط عوامل الخطر الوعائية (ضبط ضغط الدم، وغلوكوز الدم، ومستويات الدهون، والإقلاع عن التدخين، وغيرها)، والخطوط الدوائية المعروفة مثل الأسبرين اليومي والعلاج بالستاتين.

لا توجد خيارات جراحية حتى الآن في علاج متلازمة أنطون.

التوقعات

تشير التقارير أن نسبة التعافي من متلازمة أنطون جيدة لدى المرضى صغار السن الذين لا يظهرون ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أو ضعفًا في الإدراك أو اللغة أو الذاكرة.

لكن في المقابل، واستنادًا إلى الأدبيات الطبية المحدودة، تضعف التوقعات وتتأخر لدى مرضى متلازمة أنطون نتيجة احتشاء القشرة القذالي الثنائي ومن غير المرجح أن يتعافى المرضى تمامًا.

اقرأ أيضًا:

تجربة سريرية تعيد البصر إلى 20 شخصًا باستخدام قرنية مصنوعة من مصدر غير محتمل!

يمكن تعزيز البصر المتراجع بجرعات صباحية قصيرة من اللون الأحمر!

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: نور عباس

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر