تُعد حلب مدينة مهمة في الشمال السوري، تقع في الشمال الغربي للبلاد، وتبعُد 50 كم عن الحدود التركية جنوبًا. تقع حلب على مفترق العديد من الطرق التجارية الهامة، وتبعُد نحو 100 كم عن البحر الأبيض المتوسط غربًا ونهر الفرات شرقًا. في عام 2004 بلغ تعدادها السكاني 2,132,100.

تاريخها

يُعتقد أن مدينة حلب واحدة من أقدم المدن التي ظلت مأهولة باستمرار، لكن عمرها الدقيق غير معروف. ويُعتقد أن سكانها الأوائل بنوا منازلهم على التل وسط المدينة الحديثة، مستفيدين من المزايا الطبيعية للمنطقة، كالأراضي الزراعية الخصبة والقرب من مصدر المياه: نهر قويق. ومع ذلك فإن البحث عن الأدلة الأثرية لتاريخ الموقع المبكر ما يزال أمرًا صعبًا نتيجةً لبقائه مأهولًا فترات طويلة.

ينحدر الاسم العربي للمدينة «حلب» من أصل سامي قديم، وقد ذُكر بوصفه موقعًا لمعبد مهم لإله العاصفة في الشرق الأدنى. اكتشف علماء الآثار بقايا هذا المعبد في أواخر القرن العشرين مدفونةً في موقع قلعة حلب، وتشير بقايا جدران المعبد السميكة إلى أنه كان برجًا مرتفعًا يمكن رؤيته على بعد أميال.

كانت حلب في القرن الثامن عشر قبل الميلاد عاصمة مملكة العموريين، وخضعت فيما بعد منذ القرن الرابع عشر وحتى السابع عشر لحكم الحثيين ثم المصريين ثم الميتانيين، إلى أن عادت تحت حكم الحثيين مرة أخرى وحصلت على الاستقلال بوصفها إمارة حثية في القرون التالية. غزاها الآشوريون ثم سيطر عليها الفرس الأخمينيون، لكن السجلات التاريخية للمدينة في هاتين الفترتين نادرة ما يشير إلى تراجع أهميتها.

في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، سقطت المدينة في أيدي السلوقيين الذين أسسوا مستعمرة مقدونية في الموقع وأطلقوا عليها اسم بيرية، التي أصبحت مدينة مهمة في الفترة الهلنستية ومركزًا تجاريًا كبيرًا بين منطقة البحر المتوسط والأراضي الواقعة في أقصى الشرق، ثم ضُمت المدينة إلى مقاطعة سوريا في القرن الأول قبل الميلاد. ومن المرجح أن الاستيطان اليهودي في المنطقة قد بدأ خلال هذه الفترة، وتأسس فيها مجتمع مسيحي وازدهرت المدينة بوصفها مركزًا لحركة مرور القوافل في ظل الحكم البيزنطي، إلا أنها تعرضت للنهب والحرق على يد الملك الفارسي الساساني خسرو الأول سنة 540 بعد الميلاد.

احتل العرب المدينة عام 637 وأعادوا إليها اسمها القديم «حلب». وفي القرن العاشر أثبتت سلالة الحمدانيين وجودها في حلب وازدهرت الحياة الثقافية للمدينة في عصرهم، ومن مظاهرها محكمة سيف الدولة مؤسس السلالة في حلب، وظهور شخصيات بارزة مثل الشاعر المتنبي والفيلسوف الفارابي، لكن الجيش البيزنطي حاصرها ونهبها سنة 962، وأعقب ذلك فترة من الحرب والاضطراب أججها صراع محلي على السلطة من أجل السيطرة على الشمال السوري.

أصبحت حلب في القرن الثاني عشر مركزًا لمقاومة المسلمين ضد الصليبيين الذين حاصروها دون جدوى عام 1124، فقد صد عماد الدين الزنكي التهديد الصليبي وأصبح ملكًا على حلب عام 1129، ثم خلفه ابنه نور الدين. وبعد وفاة نور الدين أصبحت المدينة تحت سيطرة السلالة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وشهدت حلب في فترة حكمهم ازدهارًا استثنائيًا، واستعادت دورها كمركز تجاري بين أوروبا وآسيا، وأُعيد بناء القلعة وتوسعت الأسواق والضواحي وأُنشئت العديد من المدارس الدينية لتشجيع إعادة تأسيس الإسلام السني بعد أن كانت المدينة معقلًا شيعيًا في عهد الحمدانيين. انتهى حكم الأيوبيين عام 1260 عندما استولى المغول على حلب وقتلوا سكانها، لكن سرعان ما طردهم مماليك مصر واسترجعوا المدينة، غير أن المعاناة استمرت بسبب تفشي الطاعون عام 1348، وتعرضت لهجوم مدمر من تيمور عام 1400.

جامع حلب الكبير

جامع حلب الكبير

انتعشت التجارة في المدينة مجددًا في القرن الخامس عشر بعد أن ضُمَّت إلى الإمبراطورية العثمانية، ما أدى إلى إعادة بناء سوق حلب وتوسيعه، وبناء خانات جديدة، واشتملت الواردات الرئيسية للمدينة على الحرير الفارسي والفلفل الهندي، حتى أصبحت المدينة في القرنين السادس عشر والسابع عشر ثالث أكبر مدينة في الإمبراطورية العثمانية بعد القسطنطينية والقاهرة، واستضافت القنصليات والمكاتب التجارية الأوروبية، وكان وجود هذا المجتمع التجاري مربحًا خصوصًا للمسيحيين الذين عملوا بوصفهم وكلاء تجاريين ومترجمين.

استمر ازدهار المدينة حتى منتصف القرن الثامن عشر، إذ تراجع إنتاج الحرير الفارسي إلى جانب تطوير النقل البحري ما أدى إلى نقل جزء كبير من الحركة التجارية الدولية إلى المدن الساحلية المتوسطية على حساب مراكز القوافل الداخلية. ضعُفت سيطرة الحكومة العثمانية وزادت الصراعات بين الفصائل والنقابات والجمعيات التجارية، وأثارت محاولات الإصلاح العثمانية سلسلةً من أعمال الشغب مصحوبةً بأعمال العنف والنهب ضد المجتمع المسيحي عام 1850، لكن سرعان ما استعاد العثمانيون السيطرة على المدينة.

أثرت حدود سوريا الحديثة التي رسمتها المملكة المتحدة وفرنسا في نهاية الحرب العالمية الأولى في مكانة حلب بوصفها مدينة تجارية، إذ عزلتها عن الأقاليم المهمة متضمنةً العراق وجنوب شرق تركيا، خاصة المدينة الساحلية إسكندرونة. مع ذلك استمر قطاع التصنيع بالنمو حتى صارت حلب منافسةً لدمشق، وشهدت المدينة توسعًا سكانيًا هائلًا في القرن العشرين بسبب الهجرة من المناطق الريفية، وأُنشئت العديد من المشاريع السكنية الكبيرة لمواكبة الطلب المتزايد على الإسكان.

اندلعت أعمال العنف في القرن العشرين بسبب ظهور هيكل سياسيٍ جديد غالبيته ضباط عسكريون علويون على حساب النخبة السنية التقليدية. وفي عام 1979 حدث تمرد ضد النظام الرئاسي واتخذ حافظ الأسد منعطفًا وحشيًا بهذا الخصوص عندما قُتل 50 طالبًا عسكريًا معظمهم من العلويين في أكاديمية عسكرية في حلب، فردّت الحكومة بانتشار عسكري مكثف في حلب عام 1980 وقُتل مئات الأشخاص على أيدي القوات الخاصة التي لاحقت المسلحين في المدينة.

ظلت حلب هادئةً في البداية عندما اندلعت المظاهرات المناهضة للرئيس بشار الأسد عام 2011 ولكن مع تطور الأزمة إلى حرب أهلية أصبحت حلب مركزًا لنشاط المعارضة المسلحة، واستمر القتال في المدينة حتى عام 2016 عندما استسلم مقاتلو المعارضة للقوات السورية مقابل عبورهم بأمان إلى خارج المدينة. عانت حلب الدمار خلال الحرب الأهلية أكثر من أي مدينة أخرى إذ بلغت الخسائر 7.5 مليار دولار معظمها في الأبنية.

مدينة حلب اليوم

تقع حلب على هضبة ترتفع نحو 400 متر وتعد واحدة من أخصب المناطق في سوريا، إذ تغطيها حقول القمح والبساتين، ويمر نهر قويق الذي ينبع من تركيا عبر المدينة مع أنه يجفّ أحيانًا بسبب الاستخدام الكثيف. وتتمتع المدينة بمناخ حار شبه جاف وصيف طويل وشتاء ممطر قصير.

من أبرز المعالم في مدينة حلب قلعتها التي تعود إلى القرون الوسطى، وتقع على تل من صنع الإنسان في وسط المدينة بارتفاع 40 مترًا. وإلى الغرب من القلعة نجد أحد أكبر الأسواق المغطاة في الشرق الأوسط، ويمتد لأميال عبر شوارع ضيقة، ويتجمع البائعون حسب نوع التجارة في هذه الأزقة، ما يشكل أزقة مخصصة للبضائع متضمنةً الملابس والمنسوجات والجلود والصابون والتوابل.

تشبه التركيبة الدينية والعرقية في حلب تكوين سوريا عمومًا، إذ يغلب عليها السكان المسلمون السنة، ويوجد أيضًا عدد كبير من العلويين والمسيحيين، إلى جانب المجتمع الأرمني الكبير الذي أُنشئ في المدينة عقب الحرب العالمية الأولى إذ استقر نحو 50 ألف لاجئ أرمني فيها. وتضم المنطقة عددًا كبيرًا من السكان الأكراد والتركمان.

تضم الصناعات الرئيسية في حلب: حياكة الحرير وطباعة القطن وصناعة الصابون والأصباغ وإعداد الجلود والصوف والفواكه المجففة. وتُعد المنطقة مركزًا تجاريًا للمنطقة الزراعية المحيطة التي تنتج القمح والقطن والشعير والخضراوات والفواكه والمكسرات والسمسم. وتشتهر حلب خصوصًا بالفستق الحلبي الذي تصدره إلى جميع أنحاء العالم.

ما زالت حلب مركزًا للشعر العربي التقليدي والموسيقى والمأكولات والحرف اليدوية إلى جانب كونها مركزًا فكريًا لوجود جامعة حلب ومعهد الموسيقى والعديد من المدارس الدينية، وفيها الجامع الكبير، أو مسجد زكريا الذي بني عام 715، وأعيد بناؤه عام 1285، وسمي بهذا الاسم نسبةً إلى النبي زكريا والد يوحنا المعمدان. وما تزال أجزاء من أسوار المدينة الحجرية القديمة، إضافةً إلى العديد من بواباتها، باقيةً.

صنفت اليونسكو مدينة حلب القديمة من مواقع التراث العالمي سنة 1986 وتعد قلعتها واحدةً من أبرز الأمثلة على العمارة الإسلامية في العصور الوسطى، التي تم الحفاظ عليها حتى القرن الحادي والعشرين. ومع أن المدينة القديمة تعرضت خلال الحرب الأهلية السورية لأضرار جسيمة، شملت القلعة والجامع الكبير، فإن جهود ترميم المباني بدأت بعد أن استعادت الحكومة السورية المدينة.

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن مدينة روما الإيطالية

بغداد.. تاريخ وجيز

ترجمة: لميس الأزعر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر