لقد أمطرت قبل أيام على قمة الغطاء الجليدي في جرينلاند لأول مرة في التاريخ المسجل! وقد تكشّف لنا معلم جديد ومرعب على طريق التفكك والانهيار البيئي لكوكب الأرض بأسرع مما كنا نأمل!

شهدت جرينلاند كسائر الأماكن في نصف الكرة الأرضية الشمالي موجة حر شديدة مع ارتفاع درجات الحرارة فوق درجة التجمد للمرة الثالثة في أقل من عقد، فقد سجلت محطة القمة التابعة لمركز بيانات الثلج والجليد الوطني (NSIDC) هطول أمطار عدة ساعات في مكان عادة ما يكون شديد البرودة للحد الذي يجعل المطر لا يهطل سائلًا إطلاقًا، وأفاد المركز أنه: «لا يوجد تقرير سابق عن هطول الأمطار في هذا الموقع الذي يصل ارتفاعه إلى 3216 مترًا»، مشيرًا إلى أن كمية الجليد المفقودة في يوم واحد كانت أكثر سبع مرات من المتوسط اليومي المسجل لهذا الوقت من العام.

صرح تيد سكامبوس، عالم الجليد في جامعة كولورادو بولدر، لصحيفة واشنطن بوست أن جرينلاند كشأن بقية العالم تتغير، وأضاف: «نشهد الآن ثلاثة أحداث ذوبان خلال عقد واحد في جرينلاند، وأما قبل عام 1990 فقد حدث ذلك مرة واحدة فقط خلال 150 عامًا تقريبًا، والآن نسجل هطول الأمطار في منطقة لم نسجل فيها هطول الأمطار مطلقًا».

وأردف تيد: «موجة الحر في شمال غرب المحيط الهادئ تعد أحداثًا يصعب تصورها دون تأثير تغير المناخ العالمي».

لا تتعرض عادة تشكيلات الصفائح الجليدية في مناطق كوكبنا للذوبان خلال فصل الصيف ويتراكم الثلج في الشتاء على مدى آلاف السنين ويُضغَط بفعل وطأة كتل الطبقات الجديدة.

أدى الذوبان الأخير الذي نتج عن درجات حرارة الهواء الدافئة إلى تكوين شبكات متنامية من البحيرات الصيفية التي قد تسرع ذوبان الصفائح الجليدية وتضرب باستقرارها عرض الحائط، ولا تقتصر المشكلة على إذابة المطر للثلج ما يساهم في زيادة وتيرة الذوبان، بل الأنكى أن المطر يملك قدرة إضافية على العبث بديناميكيات الصفائح الجليدية على المدى الطويل أيضًا.

ينزل المطر ثم يتجمد فيكوّن طبقةً من الجليد أكثر قتامة من ثلوج جرينلاند، ولذلك تمتص الحرارة بشكل أكبر من الجليد الأبيض المليء بالثلج المعتاد للنهر الجليدي، وسيشكل تجمد الأمطار حاجزًا أملسَ، ما يمنع المياه الذائبة من التسرب أسفل الطبقات الجليدية فيتسبب في مزيد من الذوبان في المناطق المرتفعة بوتيرة أعلى من تأثير الجريان السطحي عادة.

قالت عالمة الجليد في وكالة ناسا لورين أندروز في السياق ذاته: «قد تحدث هذه العمليات في مناطق من الغطاء الجليدي لم تتعرض يومًا للذوبان ما يجعل التأثير أكثر انتشارًا وأشد حدة».

يحتوي الغطاء الجليدي في جرينلاند على كمية من المياه العذبة تكفي لرفع مستوى البحر 6 أمتار كاملة! ولها تأثير مهول على الطقس والمناخ.

حذر التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من أن ارتفاع درجة الحرارة فوق درجتين مئويتين سيؤدي إلى انهيار الغطاء الجليدي الهائل، وهذه نقطة من نقاط التحول الرئيسية التي تثير قلق العلماء بشدة.

تواجه مجتمعات السكان الأصليين في جرينلاند تحديات كارثية جراء ذوبان الجليد، وتتأثر الحياة البرية أيضًا بهذه الظاهرة، وبعيدًا عن التأثيرات المباشرة لارتفاع مستوى البحر فمن المتوقع أن تتسبب المياه الذائبة من جليد جرينلاند بإبطاء تيار المحيط الهادئ في تيار الخليج، ما قد يغير أنماط الرياح الاستوائية الموسمية ويؤثر سلبًا على الغابات المطيرة.

قال تيد سكامبوس لشبكة CNN: «نحن نعبر عتبات لم نشهدها منذ آلاف السنين، وصراحةً لا شيء سيتغير حتى نغير ما نفعله في هواء كوكبنا». سيتطلب ذلك من أغلبنا حول العالم العمل معًا لمسائلة أصحاب القرار المسؤولين عن التغير المناخي ومساعدة بعضنا على اتخاذ خيارات جماعية أفضل لكي ننقذ كوكبنا الأوحد من مصير كارثي جراء التغيرات المناخية والاحترار العالمي.

اقرأ أيضًا:

لماذا نعتبر جرينلاند جزيرة بينما أستراليا قارة ؟

كلمات جديدة ستعلمنا إياها أزمة المناخ

ترجمة: أحمد محروس عثمان

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر