يعد التزاوج -بالنسبة لبعض الحيوانات- أمرًا مزعجًا. لنواجه الأمر، لا يستحق الجنس دائمًا العناء. ولذلك قد يعد التكاثر اللاجنسي أحيانًا أمرًا مثاليًا. وبقدر ما يبدو هذا مغريًا، فإن الشعوب التي تتخلى عن التزاوج فترةً طويلة، تدفع ثمنًا باهظًا جراء التطور. فعاجلًا أم آجلًا ستضطر حقيقيات النوى إما إلى مبادلة كروموسوماتها داخل حمض نووي معدل جذريًا للمزيد من التباين الجيني، أو تستسلم لانقراض نوعها، أو على الأقل تلك هي القاعدة. لكن استطاعت القراديات الخنفسية (Oppiella nova) التملص منها.

فعبر مقارنة أجراها فريق من الباحثين القادمين من جميع أنحاء أوروبا لجينوم القراديات الخنفسية مع جينوم قريبتها النشطة جنسيًا (Oppiella subpectinata)، وُجد أن تلك المفصليات بحجم الميكرومتر استطاعت النجاة لملايين السنين، متّبعة أسلوب حياة عفيف.

فكما هو الحال لدى الإنسان، تمتلك القراديات نسخةً لكل كروموسوم يشكل جينومها؛ ما يجعلها كائنات ثنائية الصيغة الصبغية.

تساعد عملية مبادلة الكروموسومات بين الحين والآخر لمزجها ومطابقتها على منح الكائنات خيارًا مختلفًا في عمليات التركيب الجيني.

لنقل مثلًا، إذا حلت بهم كارثة -وليكن داء الطاعون أو تقلبات في درجة الحرارة أو ظهور مصدر عدواني جديد يهدد حياتهم- فلا بد من أن بعضهم سوف يتكيف مع تلك الظروف حديثة الظهور. ولكن حرصهم على النجاة قد يأتي على حساب أمور حاسمة أخرى لتعظيم التنوع الجيني (مثل البحث عن شركاء والتنافس مع الأقران وإنتاج الحيوانات المنوية؛ ببساطة أمور التزاوج جميعها).

هناك وسائل أخرى يختلف فيها بناء الطفرات في أنواع من الجين (أو الأليل) نفسه، ما يخلق بصمةً فريدةً بين جينات الكائنات اللاجنسية. وتأكد أن ضمان درجة من التباين لا يقتصر على التكاثر الجنسي وحده، وتُسمى هذه الظاهرة «تأثير ميسيلسون» نسبةً إلى عالم الأحياء في جامعة هارفارد ماثيو ميسيلسون. بناءً على هذه الطفرة يمكن استنتاج لاجنسية كائن ثنائي الصيغة الصبغية طويل الأمد.

ولكن هنالك مجال واسع للشك في هذا التأثير، نظرًا إلى افتقار الأدلة الواضحة. فبعض سلالات الأنواع القديمة اعتُقد أنها لاجنسية، ولكن منذ ذلك الحين وُجد أنها لجأت حديثًا إلى أسلوب الحياة اللاجنسي، أو غطوا جيناتهم من وقت لآخر بتزاوجات مع أقرانهم عبر الدهور.

احتاج الباحثون فقط إلى دليل قوي لا لبس فيه لتباين الجينات في حيوان اشتُبه في تخليه عن التزاوج بلا رجعة منذ فترة طويلة جدًّا. ما يعيدنا إلى القراديات الخنفسية، وهو سوس صغير افترق عن سلالاته الفرعية قبل نحو (6 – (16 مليون سنة؛ ما يشير إلى وجود نوعه منذ فترة طويلة. والأهم من ذلك أنه حيوان لاجنسي، على عكس الأنواع الموجودة على الفرع نفسه من شجرة العائلة؛ ما يجعله مرشحًا أول للبحث عن دليل لحقيقة تأثير ميسيلسون.

تحديدًا، لم يكن من السهل جمع ما يكفي من هذا النوع لتحليل حمضهم النووي كما قد يُعتقد، نظرًا إلى حجمهم الصغير جدًّا.

يقول ينس باست، عالم الأحياء الإنجابي في جامعة لوزان في سويسرا: «يبلغ حجم السوس1/5 مليمتر ويصعب التعرف عليه». اضطر الفريق كذلك إلى استخدام حاسوب مخصص لفك شفرة الجينوم، ولكن الأمر كان يستحق العناء في النهاية.

أضاف ينس: «تشير نتائجنا بكل وضوح إلى أن القراديات الخنفسية تتكاثر حصرًا لاجنسيًا، وعندما يتعلق الأمر بفهم كيفية استمرار التطور دون الحاجة إلى التزاوج، فما زالت تلك القراديات الخنفسية قادرةً على تزويدنا بمفاجأة أو أكثر».

لا نزعم بذلك أن التكاثر اللاجنسي لا يصحب معه مشكلات أخرى، فالقراديات الخنفسية هي استثناء لقاعدة متسقة إلى حد ما في علم الأحياء. ولكن اكتشاف حيوان استطاع التخلي عن التزاوج منذ ملايين السنين يثبت أنه من الممكن الاستمرار دون تزاوج.

اقرأ أيضًا:

ما هو التكاثر الجنسي؟ كيف يحصل وبماذا يختلف عن التكاثر اللاجنسي؟

أنثى تنين الكومودو العذراء.. أنجبت صغارا!

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: حسين جرود

المصدر