الأوتوقراطية هي نظام حكم يستحوذ فيها شخص واحد يسمى «الأوتوقراطي» على كل السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، فحكمه مطلق وغير محدود، ولا يخضع لأي قيود قانونية أو تشريعية.

تعد الديكتاتورية نظامًا أوتوقراطيًا حسب تعريفها، ومع ذلك، قد تديرها مجموعة نخبوية مثل النظام العسكري أو الديني. يمكن أيضًا مقارنة الأوتوقراطية بالأوليغاركية التي تعني حكم مجموعة صغيرة من الأفراد الذين تميزهم ثروتهم أو تعليمهم أو التزامهم الديني، أما الديمقراطية فهي حكم الغالبية. ج

حاليًا، نجد الأوتوقراطية في الملكيات المطلقة، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والمغرب، أو الديكتاتوريات مثل كوريا الشمالية وكوبا وزيمبابوي.

المآخذ الرئيسية:

  •  إنّ الأوتوقراطية نظام حكم تكون فيه السلطة السياسية بيد شخصٍ واحدٍ يدعى «أوتوقراطي».
  •  حُكم الأوتوقراطي مطلق ولا يمكن تنظيمه عبر قيودٍ قانونية خارجية أو وسائل ديمقراطية، إلا في حالة إزالته بعد انقلابٍ عسكري أو انتفاضةٍ شعبية.
  •  مع أنّ الديكتاتورية أوتوقراطية أساسًا، فقد تديرها مجموعة مسيطرة، كنظام عسكري أو ديني.
  •  إنّ الأوتوقراطيات مجبرة بطبيعتها على دعم احتياجات القلة النخبوية التي تدعمها، على حساب احتياجات عامة الناس.

هيكل السلطة الأوتوقراطية:

مقارنة بالأنظمة التمثيلية المعقدة للحكومات، مثل النظام الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ هيكل الأوتوقراطية بسيط نسبيًا، إذ يوجد الأوتوقراطي ولا شيء غيره، ولكن رغم الشخصية القوية والبارزة للأوتوقراطي، فهو يحتاج إلى هيكل سلطة ليطبق على حكمه ويحافظ عليه.

اعتمد الأوتوقراطيون تاريخيًا على النبلاء وعمالقة رجال الأعمال والعسكر أو الكهنة للحفاظ على سلطتهم، وبما أنّ هذه المجموعات قد تنقلب هي الأخرى على الأوتوقراطيين وتطيح بهم عبر انقلابٍ عسكري أو انتفاضةٍ شعبية، فإن الأوتوقراطيين مجبرون على إشباع رغبات هذه القلة النخبوية على حساب عامة الناس، فنجد مثلًا أن برامج الرعاية الاجتماعية نادرة أو غير موجودة، بينما تشيع السياسات الساعية إلى زيادة ثروة القلة الغنية الداعمة للأوتوقراطي، أو زيادة سلطة العساكر الأوفياء.

تتركز السلطة في الأوتوقراطية في مركز واحد، قد يكون ديكتاتورًا أو مجموعة مثل حزبٍ مسيطر أو لجنةٍ مركزية، وفي كلتا الحالتين، تستخدم السلطة الأوتوقراطية القوة لقمع المعارضة، ومنع الحركات الشعبية، التي قد تسمح بتطورها.

تنجز مراكز السلطة عملياتها دون أي رقابة أو ضوابط، ما يعد تباينًا كبيرًا عن الأنظمة الديمقراطية وغير الأوتوقراطية، التي تتشارك فيها السلطة مراكز عدة، كالأقسام التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وعلى النقيض من الأوتوقراطية، تخضع مراكز القوة في الأنظمة غير الأوتوقراطية إلى رقابة وقيود قانونية، وتسمح للعامة بحرية الرأي والمعارضة السلمية.

تحاول الأوتوقراطيات الحديثة إظهار نفسها بصورة أقل ديكتاتورية بادعائها اعتناق قيم مشابهة لما هو موجود في دساتير ومواثيق الأنظمة الديمقراطية أو الملكية المحدودة، وقد تنشئ برلمانات ومجالس شعبية وأحزاب سياسية ومحاكم من أجل تشكيل واجهة للممارسات الفردية للسلطة، أما عمليًا، فكل نشاطات هذه المجالس التمثيلية المزعومة -إلا البسيطة منها- تتطلب موافقة الحاكم الأوتوقراطي، والمثال البارز في العصر الحديث هو حكم الحزب الشيوعي الصيني لجمهورية الصين الشعبية.

أوتوقراطيات تاريخية:

إن مفهوم الأوتوقراطية ضارب في القدم، من أباطرة روما القديمة، إلى الأنظمة الفاشية في القرن العشرين، ونقدم هنا بعض الأمثلة التاريخية للأوتوقراطيات:

 الإمبراطورية الرومانية:

لعل الإمبراطورية الرومانية أقدم مثال معروف للأوتوقراطية، تأسست عام 27 قبل الميلاد على يد الإمبراطور أغسطس عقب نهاية الجمهورية الرومانية، ومع حفاظ أغسطس على مجلس الشيوخ (الذي يعد مهد الديمقراطية التمثيلية)، فقد استخدم هذه البادرة لإخفاء حقيقة تحويل كل السلطات الفعلية تدريجيًا إلى يده.

روسيا القيصرية:

فور تنصيبه حاكمًا عام 1547، خلق القيصر الروسي الأول إيفان الرابع -المسمى «إيفان الرهيب»- هيبة لنفسه عبر إعدام ونفي معارضيه، وأسس حكمًا أوتوقراطيًا على الإمبراطورية الروسية، وليتمكن من فرض سلطته، أسس أول جيش روسي دائم تضمن فرقتين من نخبة الفرسان الكوساك والأوبريتشنينا، مهمتهما الرئيسية حماية القيصر، وفي عام 1570، أمر إيفان الأوبريتشنينا بتنفيذ مجزرة نوفوغراد، بعد خوفه من أن المدينة قد أصبحت أرضية خصبة لخيانة حكمه.

 ألمانيا النازية:

إن ألمانيا النازية مثال على حكم أوتوقراطي بيد قائد واحد وحزب داعم له، فبعد محاولة انقلاب فاشلة في 1923، بدأ حزب العمال الاشتراكي الوطني الألماني تحت قيادة أدولف هتلر بتطبيق أساليب خفية للسيطرة على الحكومة الألمانية، فاستغل الاضطرابات المدنية في ثلاثينيات القرن العشرين، واستخدم حزب هتلر النازي شخصية قائده وخطاباته الحماسية، إضافةً إلى حملة دعائية ذكية للسيطرة على الحكم، وبعد أن عُين مستشارًا ألمانيًا في مارس عام 1933، بدأ حزب هتلر تقييد الحريات المدنية وقمع المعارضة للحكم النازي من طريق الجيش والشرطة السرية (الغيستابو) تحت قيادة هيرمان غورينغ، وبعد تحويل الرايخ الألماني من ديمقراطية إلى ديكتاتورية، تفرد هتلر بحكم ألمانيا والتصرف فيها.

 إسبانيا فرانكو:

في الأول من أكتوبر عام 1936، وبعد ثلاثة أشهر فقط على بداية الحرب الأهلية الإسبانية، أعلِن الجنرال فرانسيسكو فرانكو -قائد الحزب الوطني المتمرد- زعيمًا للبلاد. تحولت إسبانيا سريعًا في ظل حكمه إلى دكتاتورية، وكانت توصف بأنّها حكومة شبه فاشية، فقد ظهر تأثير الفاشية في مجالات عديدة كالعمل والاقتصاد والسياسات الاجتماعية وحكم الحزب الواحد. حافظ فرانكو على حكمه المعروف بالرعب الأبيض، عبر القمع الوحشي، متضمنًا انتهاكات وإعدامات نفذها من طريق حزبه الوطني. رغم عدم انضمام إسبانيا بقيادة فرانكو إلى قوى المحور مع ألمانيا وإيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فقد قدمت لها الدعم مع التزام مبدأ الحياد.

 إيطاليا موسوليني:

مع تولي بينيتو موسوليني منصب رئاسة وزراء إيطاليا من 1922 إلى 1943، فرض الحزب الفاشي الوطني حكمًا أوتوقراطيًا شموليًا، فقد أقصى المعارضة السياسية والفكرية، مع وعود لتحديث الاقتصاد وإعادة القيم الدينية والأخلاقية التقليدية الإيطالية. بعد أن أعاد تنظيم النظام البرلماني السابق إلى ما أسماه «الديكتاتورية التنفيذية المنظمة قانونيًا»، تحدى موسوليني العقوبات التي فرضتها عصبة الأمم عبر زيادة التدخل العسكري الإيطالي في النزاعات الأجنبية، ووقعت إيطاليا بعد اجتياحها لألبانيا عام 1939 معاهدة الفولاذ، معلنةً تحالفها مع ألمانيا النازية، مستهلةً المشاركة المشؤومة بصف قوى المحور في الحرب العالمية الثانية.

الأوتوقراطية والشمولية:

مع من أن كلًا من الأوتوقراطية والشمولية تتمثل بحاكمٍ متفرد قد يلجأ إلى القوة وقمع الحقوق الفردية للحفاظ على الحكم، فإن الأوتوقراطية تتطلب تحكمًا أقل في حياة الشعب، وهي أقل عرضة لانتهاك السلطة، لذلك تحظى الأنظمة الشمولية بشعبية أقل، وهي أكثر عرضةً للثورات والتمرد من الأوتوقراطية.

إنّ الديكتاتوريات الشمولية الحقيقية نادرة في يومنا هذا، أمّا الأنظمة المركزية الأكثر انتشارًا -مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية- فتسمّى «الأوتوقراطيات الليبرالية»، ورغم وجود حزب سياسي مسيطر يحكمه قائد واحد، فهي تسمح ببعض الحريات العامة والمشاركات الشعبية عبر مجالس وجمعيات منتخبة، ومع أنّ معظم أعمال هذه المجالس تتطلب موافقة الحزب، فهي تقدَّم بمثابة واجهة ديمقراطية، فالمجلس الشعبي الوطني الصيني -مثلًا- يضم 3000 عضوًا منتخبًا، ويعد أقوى جهاز حاكم في البلاد وفقًا لدستور عام 1982، ولكنه في الواقع ليس أكثر من أداة للتزكية على قرارات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.

اقرأ أيضًا:

كل ما تود معرفته عن البيريسترويكا

أهم الشخصيات في التاريخ القديم- الجزء الثاني

ترجمة: حيان مروان أبوترابة

تدقيق: سمية بن لكحل

مراجعة: حسين جرود

المصدر