ولد المخترع والمهندس الأمريكي روبرت فولتون في 14 نوفمبر 1765، وتوفي في 24 فبراير 1815.

اشتهر روبرت فولتون بدوره في تطوير أول باخرة ناجحة تجاريًا. فتحت طرق الأنهار الأمريكية أمام التجارة ونقل الركاب، بعد أن قامت سفينة فولتون البخارية -التي كانت تدعى كليرمونت- برحلتها الأولى على طول نهر هدسون في عام 1807. ويُنسب أيضًا إلى روبرت فولتون اختراع نوتيلوس، وهي إحدى أولى الغواصات العملية في العالم.

طفولة روبرت فولتون:

ولد روبرت فولتون لأبوين إيرلنديين مهاجرين، روبرت فولتون الأب وماري سميث فولتون. عاشت الأسرة في مزرعة في ليتل بريتن، بنسلفانيا، التي كانت آنذاك مستعمرة بريطانية أمريكية.

كان لدى روبرت ثلاث شقيقات (إيزابيلا، إليزابيث، وماري)، وأخ أصغر كان يُدعى إبراهام.

فيما بعد انتقلت العائلة إلى لانكستر، بنسلفانيا، لأن مزرعتهم حجزَت وبيعت عام 1771.

تعلّم القراءة والكتابة في المنزل، ومن ثم في سن الثامنة التحق فولتون بمدرسة كويكر في لانكستر. ثم عمل في متجر مجوهرات في فيلادلفيا، حيث ألهمته مهارته في رسم الصور المصغرة للمناجد ليحترف ممارسة هذه المهنة بصفته فنانًا.

ظل فولتون عزبًا حتى سن 43 عامًا عندما تزوج عام 1808 من هارييت ليفينجستون، ابنة أخت شريكه في عمل القارب البخاري، روبرت آر ليفينجستون، وأنجب الزوجان ابنًا وثلاث بنات.

من فنانٍ إلى مخترع:

في عام 1786، انتقل روبرت فولتون إلى مدينة باث بولاية فيرجينيا، حيث حظيت صوره ومناظره الطبيعية بتقدير كبير، لدرجة أن أصدقاءَه شجعوه على دراسة الفن في أوروبا.

عاد روبرت فولتون إلى فيلادلفيا، حيث كان يأمل أن تجذب لوحاته راعيًا. نظرًا إلى إعجابه بفنه، وعلى أمل تحسين الصورة الثقافية للمدينة، دفع مجموعة من التجار المحليين أجرة سفر فولتون إلى لندن في عام 1787.

على الرغم من أن روبرت فولتون كان مشهورًا وحظيَ بالترحيب في إنجلترا، ولكن لوحاته لم تكسبه أبدًا أكثر من قوت يومه الضئيل. في الوقت نفسه، كان قد لاحظ سلسلة من الاختراعات الحديثة التي دفعت زورقًا بمجداف؛ كان يتحرك ذهابًا وإيابًا بوساطة نفاثات من الماء تسخَن بواسطة البخار.

وقد خطر في ذهن روبرت فولتون أن استخدام البخار لتشغيل العديد من المجاديف الدوارة المتصلة من شأنه أن يحرك القارب بنحو أكثر فاعلية، وهي فكرة اشتهرت فيما بعد باسم عجلة التجديف.

بحلول عام 1793، اقترب فولتون من كلٍ من الحكومتين البريطانية وحكومة الولايات المتحدة مع التخطيط لصناعة سفن عسكرية وتجارية تعمل بالبخار.

وفي سنة 1794، تخلّى روبرت فولتون عن حياته المهنية بوصفه فنانًا، ليتحول إلى مجال مختلف تمامًا ومغاير لمجاله السابق، ولكن يُتوقع أن يكون أكثر ربحية، وهو تصميم الممرات المائية الداخلية.

في مفكرة عام 1796 بعنوان «رسالة حول تحسين الملاحة في القناة»، اقترح الجمع بين الأنهار الحالية وشبكة من القنوات الاصطناعية لربط البلدات والمدن في جميع أنحاء إنجلترا. وتصور أيضًا طرائق لرفع وخفض القوارب دون الحاجة إلى مجمعات قفل وسدود ميكانيكية مكلفة، وزوارق بخارية مصممة خصيصًا لنقل البضائع الثقيلة في المياه الضحلة، وتصميمات لجسور أكثر استقرارًا.

بينما لم يُظهر البريطانيون أيّ اهتمام بخطة شبكة القنوات الخاصة به، نجح فولتون في اختراع آلة تجريف القناة والحصول على براءات اختراع بريطانية للعديد من الاختراعات الأخرى ذات الصلة.

غواصة نوتيلوس:

نظرًا إلى خوفه من عدم حماس إنجلترا لأفكار القناة، كرّس فولتون نفسه لبناء حياته المهنية بصفته مخترعًا. وفي عام 1797، ذهب إلى باريس، واقترب من الحكومة الفرنسية بفكرة لغواصة كان يعتقد أنها ستساعد فرنسا في حربها المستمرة مع إنجلترا. اقترح روبرت فولتون سيناريو تقوم فيه غواصته (نوتيلوس)، بالمناورة دون أن تُكتشف تحت السفن الحربية البريطانية، إذ يمكن إرفاق عبوات ناسفة بهيكلها.

«وفي حال تدمير بعض السفن الحربية بوسائل جديدة جدًا ومخفية جدًا ولا تُحصى، ستختفي ثقة البحارة وسيصبح الأسطول عديم الفائدة منذ لحظة الرعب الأولى». روبرت فولتون، 1797.

ونظرًا إلى استخدام غواصة فولتون (نوتيلوس) طريقة جبانة ومخزية للقتال، رفض كل من الحكومة الفرنسية والإمبراطور نابليون بونابرت دعم بنائها. وبعد محاولة فاشلة أخرى لبيع الفكرة، حصل فولتون على إذن من وزير البحرية الفرنسي لبناء نوتيلوس.

أجريت الاختبارات الأولى لنوتيلوس في 29 يوليو 1800، في نهر السين في روان. وبناءً على نجاح الغوص التجريبي، مُنح فولتون إذنًا لبناء نموذج معدّل من نوتيلوس اختُبر في 3 يوليو عام 1801. وصلت غواصة نوتيلوس المعدّلة من قبل فولتون إلى عمق 25 قدمًا (7.6 متر)، تحمل طاقمًا مكونًا من ثلاثة أفراد، وتظل مغمورةً تحت الماء لأكثر من أربع ساعات.

في نهاية المطاف، استخدم فولتون نوتيلوس في هجومين ضد السفن البريطانية التي أغلقت ميناءً صغيرًا بالقرب من شيربورج. ومع ذلك، بسبب الرياح والمد والجزر، استعصت السفن البريطانية على الغواصة الأبطأ.

تصميم ستيمبوت (Steamboat):

في عام 1801، التقى فولتون -في الولايات المتحدة- سفيرها في فرنسا روبرت ر. ليفينغستون، عضو اللجنة التي صاغت إعلان استقلال الولايات المتحدة. قبل أن يأتي ليفينغستون إلى فرنسا، منحته ولايته، نيويورك الحق الحصري في العمل والربح من الملاحة بالقارب البخاري في الأنهار داخل الولاية مدة 20 عامًا. وافق فولتون وليفينجستون على الشراكة من أجل بناء باخرة.

في 9 من أغسطس عام 1803، اختُبر القارب البالغ طوله 66 قدمًا، الذي صممه فولتون على نهر السين في باريس. على الرغم من أن المحرك البخاري ذو الثماني أحصنة المصمم على الطراز الفرنسي كسر الهيكل، ولكن فولتون وليفينجستون قالا بأن القارب قد وصل إلى سرعة 4 أميال في الساعة عكس التيار.

ثم بدأ فولتون في تصميم هيكل أقوى، وطلب أجزاءً لمحرك بقوة 24 حصانًا. وتفاوض ليفينغستون أيضًا على تمديد احتكاره للملاحة في القارب البخاري في نيويورك.

في عام 1804، عاد فولتون إلى لندن، حيث حاول إثارة اهتمام الحكومة البريطانية بتصميمه سفينة حربية شبه غاطسة تعمل بالبخار. ومع ذلك، بعد الهزيمة الحاسمة للأدميرال نلسون للأسطول الفرنسي في ترافلغار عام 1805، قررت الحكومة البريطانية الحفاظ على سيطرتها بلا منازع على البحار دون بواخر فولتون غير التقليدية وغير المثبتة فعاليتها.

في هذه المرحلة، كان فولتون قريبًا من خط الفقر، إذ أنفق الكثير من أمواله الخاصة على نوتيلوس وزوارقه البخارية المبتكرة، فقرر العودة إلى الولايات المتحدة.

ستيمبوت كليرمونت:

في ديسمبر عام 1806، اجتمع فولتون وروبرت ليفينجستون في نيويورك، لاستئناف العمل على باخرتهما. وبحلول أوائل أغسطس عام 1807، كان القارب جاهزًا لرحلته الأولى. استخدم في تشغيل القارب البخاري الذي يبلغ طوله 142 قدمًا وعرضه 18 قدمًا محرك فولتون المبتكر، وهو محرك بخاري مكثف أحادي الأسطوانة وقوة 19 حصانًا لقيادة دواليب مجداف يبلغ قطرهما 15 قدمًا، على جانبيّ القارب.

في 17 أغسطس من العام نفسه، بدأ فولتون وليفينجستون في نورث ريفر ستيمبوت (الذي سيعرف لاحقًا باسم كليرمونت) رحلته التجريبية عبر نهر هدسون من مدينة نيويورك إلى ألباني. وقد تجمع حشد كبير لمشاهدة الحدث، ولكن المتفرجين توقعوا فشل القارب البخاري، وسخروا من السفينة التي أطلقوا عليها اسم «حماقة فولتون».

توقفت السفينة في البداية، تاركة فولتون وطاقمه يندفعون لإيجاد حل. بعد نصف ساعة، كانت دواليب القارب البخاري تدور مرة أخرى، وتحركت السفينة بثبات إلى الأمام عكس تيار هدسون. بمتوسط قدره 5 أميال في الساعة، أكمل القارب البخاري رحلة 150 ميلًا في 32 ساعة فقط، مقارنة بالأيام الأربعة التي تتطلبها السفن الشراعية التقليدية. اكتملت رحلة العودة إلى نقطة الانطلاق في 30 ساعة فقط.

في رسالة إلى صديق، كتب فولتون عن الحدث التاريخي: «أعاقنا نسيمٌ خفيفٌ طوال الطريق، ذهابًا وإيابًا، وقد نُفذَت الرحلة كاملةً بوساطة قوة المحرك البخاري. تجاوزت العديد من السفن الشراعية والمراكب الشراعية، وضربت في مهب الريح، وافترقت عنها كما لو كانت في المرساة، وقد أثبتت الآن قوة دفع القوارب بالبخار تمامًا».

مع إضافة أرصفة نوم إضافية وتحسينات أخرى، بدأت فولتون نورث ريفر ستيمبوت – Fulton’s North River Steamboat الخدمة الفعلية في 4 سبتمبر عام 1807، لنقل الركاب والشحن الخفيف بين نيويورك وألباني على نهر هدسون.

ولكن في موسم الخدمة الأولى، عانت نورث ريفر ستيمبوت مشكلات ميكانيكية متكررة ناتجة بنحو رئيسي عن قباطنة القوارب الشراعية المنافسة، التي صدمت «من طريق الخطأ» دواليبها المكشوفة.

خلال شتاء عام 1808، أضاف فولتون وليفينجستون سلاسل معدنية حول دواليب التجديف، وحسّنوا أماكن إقامة الركاب، وأعادوا تسجيل القارب البخاري تحت اسم نورث ريفر ستيمبوت في كليرمونت، وسرعان ما اختصر إلى كليرمونت.

وبحلول عام 1810، كانت كليرمونت واثنان من القوارب البخارية الجديدة المصممة من قبل شركة فولتون توفر خدمة نقل الركاب، والشحن المنتظمة على نهري هدسون وراريتان في نيويورك.

نيو أورلينز ستيمبوت:

من عام 1811 إلى 1812، دخل فولتون ليفينجستون، وزميله المخترع ورائد الأعمال نيكولاس روزفلت في مشروع مشترك جديد.

لقد خططوا لبناء باخرة قادرة على السفر من بيتسبرغ إلى نيو أورلينز، وهي رحلة تزيد عن 1800 ميل عبر نهر المسيسيبي وأوهايو، وأطلقوا على القارب البخاري «نيو أورلينز».

بعد ثماني سنوات فقط من استحواذ الولايات المتحدة على إقليم لويزيانا من فرنسا في صفقة شراء لويزيانا، كان نهرا المسيسيبي وأوهايو لا يزالان إلى حدٍ كبير غير خاضعين للحماية وغير محميين. كان الطريق من سينسيناتي، أوهايو، إلى القاهرة، إلينوي، على نهر أوهايو يتطلب من القارب البخاري أن يبحر في شلالات أوهايو الغادرة بالقرب من لويزفيل، كنتاكي، وهو انخفاض بارتفاع 26 قدمًا نحو ميل واحد.

طريق الرحلة الأولى للباخرة نيو أورلينز:

غادر القارب البخاري في نيو أورلينز بيتسبرغ في 20 أكتوبر 1811، ووصل إلى نيو أورلينز في 18 يناير في العام ذاته. وبينما كانت الرحلة عبر نهر أوهايو هادئة، أثبت الإبحار في نهر المسيسيبي أنه يمثل تحديًا.

وفي 16 ديسمبر من عام 1811، غيّر زلزال نيو مدريد العظيم -الذي كان مركزه بالقرب من نيو مدريد بولاية ميسوري- موقع معالم الأنهار التي عينت مسبقًا، مثل الجزر والقنوات، ما جعل الملاحة صعبة. في العديد من الأماكن، شكلت الأشجار التي أسقطها الزلزال عقبات خطيرة ومتحركة باستمرار في قناة النهر التي سدت مسار السفينة.

أثبتت الرحلة الأولى الناجحة -التي كانت مروعة- أن القوارب البخارية يمكن أن تتحمل المخاطر العديدة للملاحة في الأنهار الغربية لأمريكا.

في غضون عقد من الزمن، ستكون القوارب البخارية المستوحاة من روبرت فولتون بمثابة الوسيلة الرئيسية لنقل الركاب والبضائع في جميع أنحاء أمريكا.

أول سفينة حربية تعمل بالبخار:

عندما بدأت البحرية الإنجليزية في محاصرة الموانئ الأمريكية خلال حرب عام 1812، استأجرت حكومة الولايات المتحدة روبرت فولتون لتصميم ما سيصبح أول سفينة حربية تعمل بالبخار في العالم: ديمولوجوس.

كانت بطارية روبرت فولتون -التي يبلغ طولها 150 قدمًا- بطارية عائمة ومتحركة، وهي تتميز بهيكلين متوازيين مع عجلة مجداف محمية بينهما. مع محركها البخاري في أحد أجزاء هيكلها ونارها في الآخر، كانت السفينة المدججة بالسلاح والمكسوة بالدروع تزن 2745 طنًا، ما يحدها بسرعة بطيئة خطرة من الناحية التكتيكية تبلغ نحو 7 أميال في الساعة.

وعلى الرغم من أنها خضعت لمناورات بحرية ناجحة خلال أكتوبر 1814، لم تُستخدم ديمولوجوس أبدًا في المعركة.

وعندما حل السلام في عام 1815، أوقفت البحرية الأمريكية ديمولوجوس من الخدمة.

في عام 1817، كانت رحلتها الأخيرة تحت سلطتها الخاصة، عندما نقلت الرئيس جيمس مونرو من نيويورك إلى جزيرة ستاتن.

وبعد إزالة محركاتها البخارية في عام 1821، سحبَت إلى المنطقة الصناعية في نيويورك، حيث كانت بمثابة سفينة استقبال حتى دمرت من طريق الخطأ بسبب انفجار في عام 1829.

الأيام الأخيرة في حياة روبرت فولتون:

من عام 1812 حتى وفاته في عام 1815، قضى فولتون معظم وقته، وأضاع أمواله في معارك قانونية؛ لحماية براءات اختراع زورقه البخاري. إذ أدت سلسلة من تصميمات الغواصات الفاشلة، والاستثمارات السيئة في الفن، والقروض التي لم تسدد أبدًا للأقارب والأصدقاء إلى استنفاد مدخراته.

في أوائل عام 1815، بقي فولتون في المياه الجليدية وقتًا طويلًا في أثناء إنقاذ صديق له سقط عبر الجليد عند سيره على نهر هدسون المتجمد. فأصبح فولتون يعاني قشعريرة شديدة، وأصيب أيضًا بالتهاب رئوي، وتوفي في 24 فبراير 1815 عن عمر يناهز 49 عامًا في مدينة نيويورك. وقد دُفن في مقبرة كنيسة الثالوث الأسقفية في وول ستريت في مدينة نيويورك.

اقرأ أيضًا:

المحرك البخاري: من اخترعه ومتى؟

الثورة الصناعية: كل ما يجب أن تعرفه عنها

ترجمة: زينب سلامة

تدقيق: آلاء رضا

مراجعة: حسين جرود

المصدر