البيتزا صحية، على الأقل هذا ما أخبروك به عندما كنت طفلًا في الروضة.

فهي على أي حال، تملك كل مجموعات الغذاء الأساسية، والتي كان يعبر عنها في ذلك الوقت بهرم كبير قاعدته الخبز.

وحملت أنا، وكل الأطفال الآخرين ذوي عمر 6 سنوات، تلك النصيحة حتى سن البلوغ، فكونك بالغًا يعني أنك تستطيع الحصول على البيتزا في أي وقت تريد.

وقبل السخرية من الخيارات الغذائية قليلة المعرفة، عليك إدراك أن كمًا من الفهم الخاطئ حول التغذية يحوم في رأسك.

هل تشتري جبنةً قليلة الدهن وحليبًا منزوع الدسم؟، تحسب السعرات الحرارية، وتلتزم بحمية عصير التطهير (حمية تعتمد على شرب عصير الفواكه أو الخضروات فقط وهي نوع من حمية الديتوكس juice cleanses)، كل هذا لأن العلم أخبرك أن تفعل ذلك؟

حسنًا، لقد كان العلم يخبرك الأكاذيب طوال هذه السنين.

إذا كان العلم حول التغذية والنظام الغذائي يبدو مربكًا ومخيفًا، هذا لأنه كذلك بالعادة.

تفكّر جيدًا، في يوم ما كانت الدهون المشبعة سيئةً، ثم بعد ذلك أصبحت نافعةً! كانت الدهون مرةً هي الشر، والآن بات السكر كذلك؟ النبيذ يعالج ويمنع السرطان؟

في الأسابيع الأخيرة، يدعم العلم الكثير من أفكارنا حول ما يجعل نظامنا الصحي عرضةً للمساءلة ونسفه كُليًّا.

أبحاث التغذية مليئة بالكثير من المنهجيات الضعيفة، الأخطاء البشرية، وتحيزات العلماء الذين يقفون خلفها، على سبيل المثال؛ ألغيت دراسة كبيرة أعدت لترى ما إذا كان استهلاك الكحول نافعًا، بعد قبولها عشرات الملايين من الدولارات من شركات الكحول؛ وأظهرت نتائج لصالحهم.

نعم، المقالات حول الدراسات التدريجية جزء من المشكلة، لكن المشكلة تذهب أعمق حين تكون استنتاجات الدراسات نفسها متناقضةً.

آخر إرشادات هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ترى أن البيض يحتوي على كثير من الكوليسترول والدهون ولا يعتبر صحيًا، ومع ذلك ما تزال الوكالات الحكومية تشملها ضمن وجبات الإفطار الصحية.

كمٌّ من الدراسات يبحث في تحديد ما إذا كان هناك فرق بين السعرات الحرارية الجيدة والسعرات الحرارية السيئة، لكنها تصبح مثيرةً للجدل حين يفشل الباحثون في تبني مجموعة تحكم (وهم الذين لا تجرى عليهم التجربة الحقيقية) والمجموعة المختبرة والتي من خلالها تقاس النتائج المحددة، وذلك تبعًا لموقع “WIRED”، والآن لا يمكننا حتى القول بثقة ما إذا كانت 10 سعرات حرارية من الشوكولاتة أفضل أو أسوأ من 10 سعرات حرارية من البروكلي.

في وقت مبكّر من هذا الشهر، وفقًا لصحيفة “The New York Times”، سحبت دراسة لـ”cornerstone” والتي ربطت بين حمية البحر الأبيض المتوسط لخفض معدلات الإصابة بأمراض القلب، حتى بعد أن عدلت الدراسة، التي كان عنوانها (الوقاية الأولية من أمراض القلب والأوعية الدموية وهشاشة العظام من خلال حمية البحر الأبيض المتوسط Primary Prevention of Cardiovascular Disease with a Mediterranean Diet أو اختصارًا PREDIMED) لتصحح بعد نَشْرِها لأول مرة، يجادل كتابها أنهم لا يزالون قادرين على وضع نفس الادعاءات الصحية التي وضعوها سابقًا، ومع ذلك ظل ناقدوها غير مقتنعين.

كل هذا يستدعي السؤال: هل من الصعب علميًا تحديد ما إذا كان نظام صحي أو غذاء معين نافعًا للناس؟ وهل انتهى بِنَا الأمر بفوضى هذه التجارب المربكة التي تخبرنا يومًا أن القهوة مفيدة للصحة، لكنها تسبب السرطان في اليوم الآخر؟

إذا أردنا القيام بهذا جيدًا، علينا أن نفكر بطريقة أفضل لنتحكم بكل التفاصيل الصغيرة والعرضية التي يمكن لها أن تتخلص من كل هذه الدراسات حول التغذية.

تقول كيلي بريتشت Kelly Pritchett، عالمة التغذية والتمرين في “Central Washington University” والمتحدثة باسم” Academy of Nutrient and “Dietetics، لموقع “Futurism”: «أبحاث التغذية هي مهمة صعبة، معطياتها متغيرات عرضية والتي يتوجب السيطرة عليها، مع ذلك من المهم السيطرة والأخذ بالحسبان على كثير من هذه المتغيرات قدر الإمكان، أي شيء يمكنه التأثير على نظامنا الغذائي، النوم، طريقة العيش، وقت السنة، مستويات النشاط، والتاريخ المرضي».

وأضافت: «أرى ذلك من خلال مفهوم “السيطرة على الممكن” مصممة أن على الباحثين الأخذ بالاعتبار أو إزالة المتغيرات في كثير من جوانب حياة المشاركة في الدراسة قدر الإمكان».

كما صرحت صحيفة “The New York Times”: «التصرف بشكل أفضل مع هذه المتغيرات الصغيرة وغير المتوقعة والتي يمكنها أن تلغي النتائج؛ تسمى العوامل المقحمة في الرسائل الأكاديمية، لربما تنقذ الدراسة المتعلقة بحمية البحر الأبيض المتوسط.

يفترض أن يختار المشاركون بالدراسة عشوائيًا للالتزام بالنظام الغذائي، بدلًا من ذلك 10% من المشاركين لم يكونوا كذلك.

وفضلًا عن هذا كله، أُعْطي الأفراد جميعًا من عائلة واحدة أو حتى من قرية واحدة في بعض الأحيان نفس النظام الغذائي. ولَم يُبلّغ عن هذه الممارسات المتضاربة في التسجيلات النهائية للدراسة».

لكن، كما تعلم، الاختيار العشوائي صعب، هل تتوقع فعلًا أن يلتزم العلماء باختيار عشوائي حقيقي، بالتأكد فعلًا أن كل النتائج الصحية هي نتيجة لالتزام المشاركين بحمية البحر الأبيض المتوسط أم لا؟

ماذا لو حدث أن أحد الجيران اشتكى من حصوله على مقبلات أقل من أقرانه في القرية؟ هل باستطاعتك التوقع من الباحثين أن يأمروا الوالدين بطبخ وجبات منفصلة للأولاد بغرض نتائج علمية أفضل؟

نعم، باستطاعتك ذلك؛ لأن الشخص المسؤول عن ذلك الجزء من الدراسة قرر أن يتخذ الطريق الأسهل ويدع بعض الناس، الذين تطوعوا للمشاركة بالتجربة والالتزام بنظام غذائي متحكم به، يتناولون نفس الطعام؛ كل المشروع بحاجة للإصلاح.

وعلى كل نتائج الدراسة، والتي يفترض أن يؤسس كثير من الناس في العالم عادتهم الغذائية على أساسها، أن تخضع للمساءلة، وقد تُنحى جميعها بعيدًا.

فقط لأن الباحثين يدّعون أن حمية البحر الأبيض المتوسط لا تزال مرتبطةً بتحسين صحة القلب بعد أن أهملت البيانات المقصودة، بحثهم ليس أقل من مشبوه، وبالتأكيد لا يعني هذا عدم إمكانية فعل الأفضل مستقبلًا.

تقول بريتشت Pritchett: «أعتقد أننا بحاجة لمساءلة المنهجية وكيف عرضت النتائج، ليس فقط في هذه الدراسة، بل في كل مقال نقرؤه».

في عالم مثالي، ستجرى الدراسات حول الأنظمة الغذائية في مختبر معقم، حيث كل سعرة حرارية، إلى الأنشطة الرياضية، إلى النوم لكل مشارك تحت سيطرة كاملة من قبل العلماء الذين يجرون التجربة.

لكن بالطبع الأمر ليس بهذه السهولة، دراسات التغذية مثل الدراسة حول حمية البحر الأبيض المتوسط، تتطلب سنوات لاستخلاص أيٍ من فوائدها الصحية أو مخاطر أي غذاء معين.

وفِي كل مرة تفرض سيطرة ما، تبتعد خطوةً عن قابلية تطبيقها في العالم الحقيقي.

في النهاية؛ أولئك الناس الذين طبقوا خلاصة التجربة، لن يعيشوا في مختبر.

سيكونون في العالم الخارجي يحاولون موازنة نظامهم الغذائي بينما يعملون، يدرسون، يتمرنون، ينامون، ويلعبون.

حتى تزويد الطعام للمشاركين بدلًا من تركهم يخططون لطعامهم بأنفسهم يأخذ عبء التوتر عنهم، والذي ثبت علميًا ارتباطه ببطء عملية الأيض، وزيادة حفظ الدهون.

لهذا سيتوجب على الباحثين إيجاد سبل لمطابقة تجاربهم مع أنماط المعيشة تلك، وذلك لإيجاد بيانات ذات معنى لحياة الناس.

ولكن لا يعني هذا قدرتهم على تنحية أفضل الممارسات العلمية، كما فعل البعض حين قام بدراسة حمية البحر الأبيض المتوسط.

بحسب ما صرحت به كوني ويفر Connie Weaver، عالمة تغذية في جامعة “Purdue” ومديرة معهد “Women’s Global Health” لموقع “Futurism”: «لحسن الحظ هناك جهود لإضفاء طابع رسمي لكيفية عمل دراسات التغذية.

دَعَم مؤخرًا المعهد الوطني للصحة “The National Institutes of Health (NIH)” فريقي بحث في جامعة إنديانا وتوفتس لإيجاد دليل إرشادات سريري للاختيار العشوائي، ودراسات التغذية المتحكم بها».

تضيف ويفر Weaver: «تقتصر الإرشادات حاليًا على الأدوية وتعليمات الأجهزة وليس على دراسات التغذية، وآمل أن تقود هذه الجهود لإرشادات وتدريب يحسّن من جودة دراسات التغذية».

وخمنت أيضًا أن بإمكان الباحثين ربما بدء بعض الإرشادات لاستخلاص وتنقية الاستنتاجات من الدراسات المشوبة، حتى لا يبدأ الجيل القادم من العلماء من الصفر.

لا تبدو واضحةً ماهيّة هذه الإرشادات، لكنها ستعكس على الأغلب أفضل الممارسات من الحقول العلمية الأخرى، وتركز على الاختيار العشوائي والأعمى والتي توافق توقعات المجتمع العلمي وتقديرهم، على الأقل أي إضافة تقنية هي ممكنة في هذا الحقل.

لكن في الوقت الحالي، يتحتم على العلماء أن يعملوا كمراقبين، يراقبون العلوم الزائفة والأخطاء غير المقصودة.

تقول ويفر Weaver لموقع “Futurism” أنها شاركت بلقاء موخرًا حول الدراسة “PREDIMED” حين كان المتحدث يجادل أن المراجعات والتصويبات العلنية ستساعد العلماء على بقائهم صادقين.

وطالما كان العلماء راغبين للإشارة إلى الأخطاء في العلن، فسيبقى الناس العاديون على اطلاع بما يحسب كطعام صحي وبما لا يحسب كذلك.

وحتى يظهر أثر هذه الإرشادات الجديدة، سيذهب معظم عبء تناول الطعام الصحي على الأفراد أنفسهم واختياراتهم.

تقول بريتشت Pritchett: «أعتقد أن عامة الناس يميلون أكثر للتركيز على ملخص الدراسة على قراءتها كاملة، سأخبر عامة الناس ما أخبر به طلابي: “اطلعوا على النقاش أولًا ثم عودوا بالقراءة للخلف حتى تصلوا للمقدمة”».

تأكد في الأساس أن تبحث في الدليل الحقيقي قبل أن تقفز على اللوح بادعاءات عفوية، على سبيل المثال؛ الناس الذين يتصفحون فيسبوك وتوتير حاليًا يصادفون عناوين تقول بأن الباستا لا تسبب زيادةً في الوزن.

لكن ما لا يسهل رؤيته، أخذت تلك المقالات الوقت لتذْكُر أن الدراسة ممولة من شركات الباستا، ربما ترقُّبٌ جيد يأخذ بالحسبان قبل أن تقرر تغيير خططك للعشاء.

بالمقابل؛ في حين أن ليس هناك طريقة علمية لقول ما هو صحي وما هو غير ذلك، سأتناول البيتزا كل يوم، وأملأ وعاء حبوب الذرة بشراب بوربون “Bourbon” (نوع من أنواع الويسكي).


  • ترجمة: لبيد الأغبري
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر