تلمح تجارب سابقة أجريت باستخدام مصادم الهادرونات الكبير التابع لمركز الأبحاث النووية الأوروبي إلى شيء غير متوقع.

جزيء يُدعى الميزون الجميل (beauty meson) ينشطر بشكل لا يتفق مع التنبؤات.

هذا يعني أحد أمرين؛ إما أن تنبؤاتنا خاطئة أو أن الأرقام خارجة عن المألوف.

كما أن المقاربة الجديدة لا ترجح كون هذه الملاحظات ناجمة عن محض المصادفة، ما يجعلها كافية لإثارة حماس العلماء.

مجموعة صغيرة من علماء الفيزياء أخذوا بيانات المصادم حول تفكك الميزون الجميل (أو اختصارًا الميزون b)، وتحققوا فيما إذا بُدِّل الافتراض بصرف النظر عن الانحلال بافتراض آخر يؤكد جريان التفاعل حتى بعد تحول تلك الجزيئات.

النتائج كانت مفاجئة أكثر من المتوقع

إذ أن المقاربة الجديدة تضاعف احتمال وجود شيء غريب يحدث بالفعل.

في الفيزياء، تؤخذ الشذوذات على أنها أشياء جيدة، بل مذهلة. قد تكون الأرقام غير المتوقعة نافذة لرؤية جديدة كليًا بالفيزياء.

علماء الفيزياء يشبهون مجموعة من المحافظين؛ بنظرهم عليك أن تكون موجودًا عندما وُجدت القوانين الأساسيّة في تكوين الكون. لذا حين لا تتطابق نتائج التجربة مع النظرية، يُفترض بداية أن هذا تغيّر عشوائي في الفوضى الإحصائيّة لاختبار معقّد.

وإن ظهرت النتائج نفسها في تجربة لاحقة يبقى الافتراض أن هذه النتائج أحد تلك التغيرات الصغيرة.

لكن بعد تجارب كافية يمكن جمع بيانات وافية لمقارنة احتمالات الخطأ مع أرجحيّة أن شيئًا غريبًا يحدث بالفعل. إذا ظهرت نتيجة غير متوقعة من النتائج المُتنبأ بها بثلاث انحرافات قياسيّة على الأقل يطلق على هذه النتيجة اسم (3 sigma)  وعندها يُسمح لعلماء الفيزياء بالنظر إلى النتائج وهم يرمشون بحماسة. ويُسجَّل هذا كملاحظة.

لجذب الانتباه بشكل حقيقي، يجب على الشذوذ أن يقاوم لدفع هذا الاختلاف إلى خمسة انحرافات قياسيّة. إن الحدث ذو الاسم  5 sigma يدفع الحماسة إلى أقصى الحدود.

على مدى سنوات، تم استخدام مصادم الهادرونات الكبير لخلق جزيئات تُدعى بالميزونات، والغرض من ذلك مشاهدة ما يحدث بعد أن تُولد هذه الجزيئات.

الميزونات أحد أشكال الهادرونات، شيء يشبه البروتون، ولكن بدل من أن تتكون من ثلاث كواركات ناتجة عن تفاعل قوي، فهي تتكون من كواركين فقط؛ كوارك وضد كورارك.

حتى أكثر أشكال الميزونات استقرارًا تنهار بعد أجزاء صغيرة جدًا من الثانية. إن الإطار الذي نستخدمه لوصف بنية وانحراف الميزونات ألا وهو النموذج القياسي؛ يصف ما يجب أن نراه بعد انقسام الميزونات المختلفة.

الميزون الجميل عبارة عن كوارك سفلي مرتبط بضد كوارك علوي. عندما تُدخل خصائص هذا الجزيء إلى النموذج القياسي فيجب أن تُنتج زوجًا من الالكترونات والبوزيترونات، أو مونات مشابهة للالكترونات وعكسها أي ضد المونات.

وهذا ملفت للانتباه. ولكن عندما يتم مقارنة مجموع النتائج مع نتبؤات النموذج القياسي، فإن الاختلاف مجرد  3.4 sigma. وهو أمر مثير، لكن لا يجب اعتباره صارخًا.

النموذج القياسي عبارة عن عمل رائع.

مبني عبر عقود من الزمن على نظريات أساسيّة في مجال الفيزياء قادها للمرة الأولى عالم الفيزياء النظرية الاسكتلندي اللامع جيمس كلارك ماكسويل. إنه بمثابة خريطة للعوالم غير المرئية للعديد من الجزيئات الجديدة.

لكنه ليس كاملًا. هناك أمور نراها في الطبيعة، من المادة المضادة إلى كتل النيوترونات، تبدو بعيدة عن إطار النموذج القياسي.

في لحظات كهذه، يقوم علماء الفيزياء بتعديل الافتراضات الأساسيّة على النموذج ومعرفة فيما إذا كانت تلك الافتراضات ناجحة في شرح ما نراه.

يقول عالم الفيزياء داني فان دايك من جامعة زيورخ: «في حساباتنا السابقة، كان يُفترض أنه عندما تتحلل الميزونات لا يبقى تفاعل بين مكوناتها، لكن في الحسابات الجديدة فقد أدخلنا التأثير الجانبي؛ تأثير المسافة الطويلة أو ما يُدعى بسحر الحلقة».

تفاصيل هذا التأثير ليست للهواة، وليست مادة للنموذج القياسي. باختصار، فإنه يتضمن تفاعلات معقدة بين جزيئات افتراضيّة، هذه الجزيئات لا تقاوم طويلًا لتذهب إلى أي مكان بل تبقى متأرجحة في مبدأ الشك الكمومي، وتفاعل مع مكونات الانحراف بعد انقسامها.

المثير هنا أنه وبعد شرح تحلل الميزون عن طريق سحر الحلقة التأملي فإن دلالة الشذوذ تقفز إلى نسبة مقنعة تصل إلى sigma 6.3.

على الرغم من هذه القفزة في النتائج فإن ذلك لا يؤدي إلى أخذ الأمور بجموح. هناك عمل يجب إنجازه والذي يشمل مراكمة الملاحظات في ضوء العملية الجديدة.

يقول مارتين كرزاسيزك من جامعة زيورخ: «سيكون لدينا على الأغلب كمية كافيّة من النتائج خلال عامين أو ثلاثة لتأكيد وجود هذا الشذوذ مع مصداقيّة تخولنا للحديث عن اكتشاف».

إذا كان تأكيد ذلك سيرينا مزيدًا من المرونة في النموذج القياسي لتوسيع حدوده، فإن الاكتشافات المحتملة ستقود إلى مناطق جديدة في الفيزياء. هذا الشذوذ هو بمثابة نقرة صغيرة ويمكن ألا يُظهر شيئًا. ولكن من قال أن حل أكبر المعضلات في الكون أمر سهل.


 

  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: مرح منصور
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر