موضوع مثير في تأثير هول الكمي. منذ حوالي 40 سنةً، وجد الفيزيائيون طريقةً أنيقةً لإنتاج حالات غريبة مثيرة للمادة، وذلك بوضع الإلكترونات في بيئة ثنائية الأبعاد مع تطبيق حقل مغناطيسي عليها ومن ثم تبريدها؛ ما سينتج تشكيلةً واسعةً من ما يدعى حالات هول الكمومية الجزئية (fractional quantum Hall phases).

أنواع معينة من هذه الحالات تدعى بالحالات غير الأبيلية (Non-Abelian) قد تشكل أرضيةً لبناء حواسيب كمومية مقاومة للأخطاء ذاتيًا.

ولكن تحديد هذه الحالات يشكل تحديًا صعبًا لأن القياسات لا تحدد بشكل دقيق أي حالة من عدة حالات محتملة هي التي لدينا.

أعطت تجارب نشرت الشهر الماضي دلائل مباشرةً تشير إلى أن إحدى حالات تأثير هول الكمي، والتي لوحظت سابقًا، هي غير أبيلية. وبشكل مفاجئ هذا يلغي الحالتين اللتين كان من المتوقع أن تكونا غير أبيليتين نظريًا.

والآن، يشرح كل من ديفيد مروس وزملاؤه من معهد وايزمان للفيزياء وشونغ وانغ وزملاؤه من جامعة هارفرد تفسيرًا محتملًا لهذا، وهو أنه بسبب عدم الانتظام فإن الحالة المدروسة قد تكون مكونةً من مناطق صغيرة كل منها يكون في إحدى الحالات المتوقعة نظريًا.

بالطبع فإن هذا يتطلب عملًا إضافيًا للتأكد فيما إذا كان إثبات هذا تجريبيًا، ولكن فكرة أن تكون حالة جديدة مكونة من عدد من الحالات مفيدة في البحث المستقبلي عن الحالات غير الأبيلية.

إن حالات تأثير هول الكمي الجزئية هي نوع من حالات هول الكمومية والتي تحدث عند تعريض معدن لحقل مغناطيسي.

من الناحية الكلاسيكية، تتغير موصلية هول (σxy) -والتي تعرف بأنها نسبة التيار الكهربائي إلى الجهد المستحث- بسلاسة كلما زادت شدة المجال.

ولكن في الأنظمة ثنائية الأبعاد عالية الجودة مثل آبار أرسينيد الجاليوم الكمومية أو الجرافين، فإن موصلية هول مكماة وتعطى قيمها بالعلاقة σxy = νe2 ∕ h ، مع العلم أن e: شحنة الإلكترون، h: ثابت بلانك، و ν: عدد حقيقي.

حالات هول الكمومية تولد شبه جسيمات (كيانات لها خصائص الجسيمات كالكتلة و..، ولكن لا يمكنها أن تتواجد كجسيمات حرة) تدعى بالأنيونات (Anyons) ليس لها نظير في النموذج المعياري.

بشكل مخالف للبديهة تتصرف الأنيونات مثل إلكترونات -والتي نعلم أنها غير قابلة للتجزئة- مجزأة.

على نحو أكثر دقةً، يمكن أن تحمل الأنيونات جزءًا من شحنة الإلكترون وتظهر أشكالًا غريبةً من إحصاءات تبادل الكم تختلف اختلافًا لافتًا عن تلك الخاصة بـ البوزونات والفرميونات الاعتيادية.

في الحالات غير الأبيلية، تملي إحصائيات التبادل أن تبديل أزواج الأنيونات يمكن أن يعيد ترتيب النظام بين توابع موجية مختلفة.

يمكن استغلال هذا السلوك الغريب للتلاعب بالمعلومات الكمومية بطريقة محمية من الأخطاء بشكل ذاتي.

كما يمكن لحالات هول الكمومية أيضًا أن تحوي “مسارات ذات اتجاه واحد” لتدفق الشحنات والحرارة عند أطرافها.

تكمن أهمية هذه “المسارات” في أن طبيعتها أحادية الاتجاه تقلل بشدة من الانتثار، ما يؤدي بدوره إلى تكميم موصلية هول وغيرها من معاملات النقل.

يرتبط الهيكل التفصيلي لـ “حالات الحافة” هذه ارتباطًا وثيقًا بأنواع الأنيونات التي تظهر، لذلك فإن دراسة التدفقات على طول هذه المسارات ذات الاتجاه الواحد تكشف معلومات عن أنواع الأنيونات الموجودة داخل المادة.

لطالما اعتقد الباحثون أن حالة هول الكمومية الجزئية التي تكون فيها v=5/2 المشاهدة في أرسنيد الغاليوم هي غير أبيلية.

المشكلة هي أن قياس قيمة v لا يحدد أي حالة تظهر.

في الحقيقة، هناك عدد لا نهائي من حالات هول الكمومية الجزيئية التي لها نفس قيمة v وبالتالي لها نفس موصلية هول، إذ تختلف هذه الحالات عن بعضها بنوع “حالات الحافة” والأنيونات التي تحتويها.

في حالة v=5/2، فإن عمليات المحاكاة الرقمية تشير إلى حالتين محتملتين قد تكونان غير أبيليتين تدعيان (Pfaffian) و (anti-Pfaffian).

إحدى الطرق لتمييز الحالات المحتملة التي لها قيمة v ذاتها باعتبار حالات الحواف وكيفية نقلها للحرارة.

يُعرف مدى ناقلية حالة الحافة للحرارة بقياس موصلة هول الحرارية Kxy والتي تعبر عن المدروج الحراري المرافق لتيار حراري وتأخذ العلاقة κxy=c[(πkB)2T∕3h] في حالات هول الكمومية.
kB هو ثابت بولتزمان،T هي درجة حرارة العينة، و c هو عدد حقيقي.

والأهم من ذلك، هو إذا كانت قيمة c لا تمثل بعدد صحيح فإن ذلك يشير بشكل لا لبس فيه إلى حالة غير أبيلية.

على سبيل المثال، الحالة (Pfaffian) تملك c=7/2 أما الحالة (anti-Pfaffian) فتكون فيها c=3/2.

في تجربتهم المنشورة الشهر الماضي، قام ميتالي بانيرجي وزملاؤه بإجراء أول قياس ل Kxy عند v=5/2 وقد وجدوا أن c فعلًا تساوي نصف عدد صحيح، ما يعتبر إنجازًا في مجال العلوم الأساسية وتطبيقاتها في الحوسبة الكمومية.

ولكن، كانت قيمة c التي رصدوها هي 5/2 ما يقترح وجود حالة غير أبيلية مختلفة عن الحالتين السابقتين المتوقعتين نظريًا تدعى PH-Pfaffian.

افترض مورس وزملاؤه ووانغ وزملاؤه أن حالات (Pfaffian) و (anti-Pfaffian) تظهران كما هو متوقع نظريًا ولكن ليس بشكل موحد عبر العينة.

بدلاً من ذلك، تقوم الاختلافات العشوائية بتثبيت حالة (Pfaffian) في بعض المناطق و حالة (anti-Pfaffian) في مناطق أخرى، ما ينتج نوعًا من خليط غير أبيلي.

في كل مرة تلتقي فيها حالة (Pfaffian) مع حالة (anti-Pfaffian)، تندمج حالتا الحافة الخاصة بهما تاركةً مسارات ذات اتجاه واحد تسمح بتدفق الحرارة ولكن ليس الشحنة الكهربائية.

وبناءً على ذلك، تشكل هذه المناطق غير الأبيلية شبكةً من قنوات الحمل الحراري المعتدلة الشحنة تمتد عبر العينة (كما في الشكل 1).

إذن، ما مصير هذه الشبكة عندما تتلاقى القنوات؟

بحسب العمل الذي قام به هؤلاء العلماء يظهر أنه تحت ظروف معينة يمكن لهذا التقاطع أن يحول النظام ككل إلى حالة (PH-Pfaffian) كما أن هناك حالات أخرى محتملة بما فيها حالة “معدن حراري: تكون فيها σxy مكماة بينما Kxy غير مكماة.

أما فيما يتعلق بأنواع الأنيونات التي يدعمونها، فإن حالات Pfaffian و Anti-Pfaffian و PH-Pfaffian جميعها توفر منصات جيدة للحوسبة الكمومية.

ومع ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن مثل هذه الحالات المستقرة بعدم الانتظام قد تكون “هشة” ما قد يحد من التطبيقات المستقبلية.

بغض النظر عن ذلك، فإن هذا العمل يطرح مواضيع بحث مستقبلية مثيرة للاهتمام.

إن ولادة حالة ثالثة من الترتيب غير المنتظم لحالتين متنافستين هو شيء مذهل بحد ذاته وقد يكون مفيدًا في مكان آخر.

كما يشير وجود حالات “هجينة” إلى ضرورة الحذر عند استخلاص استنتاجات من عمليات محاكاة.


  • ترجمة: مهران يوسف
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: كارينا معوض
  • المصدر