معلومات وحقائق عن اليود والذي يعتبر أحد العناصر الأساسية والضرورية للحياة، وهو معروفٌ بدوره الحيوي في إنتاج الهرمون الدرقي عند البشر وكذلك في جميع الفقاريات الأخرى، وقد يؤدي عوز اليود إلى مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك الدُراق «Goiter» أو تضخُّم الغدة الدرقية، والإعاقة الذهنية، ومتلازمة نقص اليود الخلقي أو ما يدعى بالفَدامَة «Cretinism». تعرف على ما هو اليود وما هي أهميته.

ما هو اليود

واليود -كعنصر نقي- هو لا معدن بلون أسود أرجواني لامع ذو طبيعة صلبة في الظروف القياسية، وهو من العناصر التي تتسامى (أي تتحول من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية دون المرور بالحالة السائلة) بسهولة لتعطي دُخانًا أرجوانيًّا، وعلى الرغم من كونه لا معدن، إلا أنه يُظهِر بعض الخصائص المعدنية.

يُصنَّف اليود ضمن الهالوجينات، وهي مجموعة فرعية من العناصر شديدة التفاعل كيميائيًا (المجموعة 17 في الجدول الدوري)، فتتواجد في البيئة كمركبات بدلًا من عناصر نقية، وتشمل الهالوجينات الأخرى الفلور (F)، والكلور (Cl)، والبروم (Br)، والأستاتين (At)، ومصطلح «هالوجين» يعني «المولِّد للملح»، فعندما تتفاعل هذه العناصر مع المعادن، تنتج مجموعة واسعة من الأملاح، مثل: فلوريد الكالسيوم، كلوريد الصوديوم (ملح الطعام الشائع)، بروميد الفضة، ويوديد البوتاسيوم.

يُعتَبَر اليود الأقل تفاعلًا من بين الهالوجينات، وكذلك الأكثر كهرجابيةً، مما يعني أنّه يميل إلى خسارة الإلكترونات وتشكيل الأيونات الإيجابية أثناء التفاعلات الكيميائية، وهو أيضًا الأثقل والأقل وفرةً من بين الهالوجينات المستقرّة، وعلى الرغم من وجود 37 نظيرًا معروفًا لليود، إلا أن واحدًا منها فقط يوجد بشكل طبيعي وهو (I-127).

لليود استعمالات تجارية كثيرة، ويمكن العثور عليه ضمن مجموعة متنوعة من المستحضرات الصيدلانية، والمطهرات، والأحبار، والأصبغة، والمحفّزات، والمواد الكيميائية الخاصّة بالتصوير الفوتوغرافي، ومكملات الغذاء الحيواني، كمت يلعب اليود دورًا بارزًا في الطب بشكل خاص، فعلى سبيل المثال تُستخدَم مركبات اليود بشكلٍ شائعٍ ضمن محاليل تعقيم وتطهير الجروح، وكعوامل تباين داخلي في تقنيات التصوير، مثل: التصوير المقطعي المحوسب (CT)، والتصوير الشعاعي، والتنظير التألقي، كما يُستَخدَم النظير المُشع (I-137) أيضًا لعلاج سرطان الغدة الدرقية.

اليود كعنصر نادر

وفقًا لجمعية اليود العالمية « World Iodine Association – WIA»، نحو 99.6% من كتلة الأرض هو عبارة عن خليط من 32 عنصر كيميائي، وتتوزع النسبة 0.4% المتبقية على 64 عنصر –كلها بكمياتٍ زهيدة، واليود هو العنصر61 من حيث الوفرة، مما يجعله أحد أقل العناصر غير المعدنية وفرةً على الأرض، وكذلك أحد أندر العناصر اللازمة للحياة.

وعلى الرغم من أنّ اليود ليس من العناصر الوافرة، إلا أنه يمكن العثور عليه بكمياتٍ زهيدةٍ في كل مكانٍ تقريبًا؛ في الماء والتربة والصخور والنباتات والحيوانات والبشر، وتُعَد مياه البحر أكبر احتياطي لليود لأنها تحتوي على نحو 34.5 مليون طن، ولكن بتراكيز منخفضة للغاية -يتراوح متوسطها بين 50 إلى 60 جزءًا في المليار(PPB)، وهذا يجعل الاستخراج المباشر غير ممكن، وتحتوي الأنهار على كمية أقل من اليود، بمعدل 5 أجزاء تقريبًا في المليار(PPB)، ذلك وفقًا لشركة لينتك لحلول معالجة المياه في الدنمارك «Lenntech Water Treatment Solutions».

يُستَخرَج معظم اليود المستخدم في الصناعات من المحاليل الملحية (مياه شديدة الإشباع بالملح) المرتبطة بآبار الغاز في اليابان، ومن الرواسب المعدنية «الكاليش-caliche» في صحراء (أتاكاما) في شمال (تشيلي)، وفي الولايات المتحدة، يُستَخرَج اليود من آبار ملحية عميقة في شمال (أوكلاهوما).

حقائق عن اليود

  • العدد الذري (عدد البروتونات في النواة): 53.
  • الرمز الذري (في الجدول الدوري للعناصر): I.
  • الوزن الذري (متوسط كتلة الذرة): 126.90447.
  • الكثافة: 4.93 غرام في السنتيمتر المكعب.
  • الحالة في درجة حرارة الغرفة: صلبة.
  • درجة الانصهار: 236.7 فهرنهايت (113.7º سيلسيوس).
  • درجة الغليان: 363.9 فهرنهايت (184.4º سيلسيوس).
  • عدد النظائر (لها نفس العدد الذري للعنصر مع عدد مختلف من النيوترونات): 37 نظيرًا معروفًا، ومنها نظير واحد فقط مستقر (I-127).

معلومات تاريخية حول اليود

اكتشف الكيميائي الفرنسي بيرنارد كورتوا «Bernard Courtois» عن طريق الخطأ اليود في عام 1811 خلال فترة حروب نابليون، حيث كان كورتوا يساعد والده في تصنيع الملح الصخري -مكوِّن هام في البارود المطلوب بشدة آنذاك- ولتصنيعه كان يستخدم رماد الخشب كمصدر لنترات البوتاسيوم اللازمة لصنع الملح الصخري، ولكن بسبب قلة رماد الخشب، بدأ باستخدام الأعشاب البحرية بدلًا من ذلك، ولعزل مستخلصات الصوديوم والبوتاسيوم من الأعشاب البحرية، كان كورتوا يحرق الأعشاب البحرية ويغسل الرماد بالماء، ثم يضيف حمض الكبريتيك للقضاء على بقايا النفايات، وفي أحد المرات، لاحظ كورتوا تشكُّل سحابة من الغاز الأرجواني بعد إضافة كمية أكبر بقليل من المعتاد من حمض الكبريتيك، ثم اكتشف لاحقًا أن الدخان المُتشكِّل سيتكثف إلى بلورات أرجوانية داكنة على الأسطح الباردة.
في ذلك الوقت، لم يدرك كورتوا أنه اكتشف اليود، لكنه شك بأنه قد يكون عنصرًا جديدًا، ولهذا أعطى بعض العينات لعلماء آخرين لمواصلة البحث الذي أكد في النهاية أنه عنصر جديد بالفعل، وفيما بعد، أعطى الكيميائي الفرنسي جوزيف لوي غي-لوساك «Joseph Louis Gay-Lussac» العنصر الجديد اسم اليود «iode» من الكلمة اليونانية «ioeidēs» التي تعني اللون الأرجواني.

ظلّ الاعتراف بكورتوا كأول شخص يعزل اليود قائمًا، على الرغم من أنّه لم يكن من سمّاه، ولكن وفي عام 1831 حصل كورتوا على جائزة مونتيون «Montyon Prize» من الأكاديمية الملكية للعلوم للعمل الذي قدّمه، ولكنه للأسف، لم يكسب أي منفعة مالية من اكتشافه.

اقرأ أيضًا:

حقائق و معلومات عن عنصر السيزيوم

هل تعلم؟

  • بيع ملح الطعام المعالج باليود لأول مرة في ميشيغان في عام 1924، وقبل ذلك كان معظم الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية يحصلون على الكثير من اليود لقربهم من المحيط والتربة الساحلية، بعكس الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الداخلية، الذين هم في الغالب من يعانون من عوز اليوم، الذي يؤدي إلى ارتفاع معدل حدوث الدُراق -تضخم الغدة الدرقية- وبمجرد إنشاء العلاقة بين نقص اليود وتضخم الغدة الدرقية، بدأ مسؤولو الصحة العامة البحث عن طرق تساهم في التخفيف من المشكلة، وهذا ما أدّى في النهاية إلى إيجاد الملح المعالج باليود.
  • يعتبر اليود كاشفًا جيدًا للنشاء لأنه يتحول إلى لون أزرق داكن عند الاختلاط به.
  • كان التصوير الفوتوغرافي أول استخدام تجاري لليود، وذلك عندما اخترع لويس داجير«Louis Daguerre» الطريقة الداجيرية «Daguerreotypes»في عام 1839، التي تظهر الصور فيها على صفائح رقيقة من المعدن.
  • يمكن أن يحدث الدُراق عند الحيوانات أيضًا بسبب عوز اليود، وليس من النادر مشاهدة ذلك في الكلاب، والمواشي، والماعز، والطيور، والأسماك.
  • يعتبر اليود أحد مكونات التهاطل النووي «Nuclear Fallout»، وهي المواد المشعة المتبقية التي تهطل من السماء عند حدوث انفجار نووي، وقد يتعرض الأشخاص في منطقة النشاط الإشعاعي لخطر استنشاق أو هضم اليود الذي يكون شديد السمية عند التعرض له بكميات كبيرة.

علاقة اليود بصحة الغدة الدرقية

يحتاج الجسم إلى اليود لتركيب هرمونات الغدة الدرقية؛ الثيروكسين (T4)، وثلاثي يود الثيرونين (T3)، حيث يحتوي كل من T4 وT3 على أربع وثلاث ذرات من اليود لكل جزيء على التوالي، وهذه الهرمونات أساسية لصحة الإنسان لأنها تسيطر على إنتاج الطاقة واستخدامها في كامل الجسم، إذ يؤدي نقص اليود إلى انخفاض في إنتاج هذه الهرمونات، وقد يؤدي إلى تضخم الغدة الدرقية و/أو إعاقة ذهنية خفيفة إلى شديدة، وفي الحالات الشديدة جدًا من نقص اليود في النساء الحوامل، يمكن أن يولد الطفل وهو يعاني من قصور درق خلقي (أو الفَدامَة التي تعتبر الآن مصطلحًا مهينًا)، في هذا الحالة يعاني الطفل من تأخر شديد في النمو الجسدي والعقلي.

يؤثر نقص اليود عمومًا على نحو مليارَي شخص في جميع أنحاء العالم، ووفقًا لمنظمة سينابس الاسترالية (Synapse organization) المهتمة بإصابات الدماغ، فهو أهم سبب يمكن الوقاية منه للإعاقة العقلية في المناطق النامية، وبحسب سينابس، فإنّ الهند تمتلك أعلى معدل انتشار للأسباب الصحية المرتبطة باليود، بوجود 500 مليون شخص يعاني من العوز، و54 مليون يعاني من تضخم الغدة الدرقية، و مليونين يعانون من قصور الغدة الدرقية الكامل.

وتقدّر الكمية المُوصَى بتناولها يوميًا من اليود بنحو 150 ميكروغرام للبالغين، ونحو ضعف هذه الكمية للنساء الحوامل والمرضعات، تحتوي الخضروات والحيوانات البحرية، وتحديدًا الأعشاب البحرية (الواكامي وطحلب الكلب)، والإسقلوب، والقريدس، وسمك القد على أعلى تركيزات من اليود، كما يتواجد أيضًا في مصادر الغذاء البرية، كالنباتات التي تنمو في التربة الغنية باليود، أو من منتجات الألبان والبيض إن كانت تغذية الأبقار والدجاج تحتوي على كمية كافية من اليود.

ولأنّ الحاجة اليومية من اليود ضئيلة، فإنّ تناول الكثير منه يمكن أن يسبب مشاكل صحية كذلك، ووفقًا لمنظمة الأغذية الأكثر صحيةً في العالم (WHF)، يجب على الأشخاص الذين يستهلكون الكثير من الأطعمة الغنية باليود بشكل يومي -خاصة طحلب الكلب والواكامي- أن يتأكّدوا من أنّ إجمالي واردهم اليومي لا يتجاوز الحد الأعلى المسموح به (UL)، والمُحدَّد من قبل الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم بنحو 1100ميكروغرام في اليوم (للبالغين من العمر 19 عام فأكثر).

اقرأ أيضًا:

معلومات وحقائق عن الراديوم

الملح المعالج باليود (الملح الميودن)

يعود الفضل لأخصّائي علم الأمراض الأمريكي ديفيد مارين (David Marine) في بدء عملية وضع اليود في الملح، ففي يومه الأول كطبيب جديد في كليفلاند في عام 1905، صُدِم مارين حالًا بكمية الأشخاص -وحتى الكلاب- الذين كانوا يتجولون برقاب متورمة، مما يدل على وجود مشكلة تضخم غدة درقية واسعة النطاق، وفي الواقع، فقد كانت هذه الحالة منتشرة إلى حد كبير لدرجة أن مساحة كبيرة من المناطق في أمريكا أصبحت تُعرَف باسم “حزام الدُراق”.

بدأ مارين بتجربة مكملات اليود بعد تقصّي بعض الفرضيات الأخرى دون فائدة، فأجرى واحدة من أولى التجارب البشرية واسعة النطاق على الإطلاق، وفيها أعطي ألفَي شخص من الطلاب الأصحاء (الذين لا يعانون من تضخم الغدة الدرقية) جرعات ضئيلة من اليود، في حين لم يُعطَى للمجموعة المرجعية التي تشمل أيضًا ألفَي شخص من الطلاب الأصحاء أي نوع من اليود، ولكنها بقيت مراقبة عن كثب.
كانت النتائج مذهلة، فقد طوّر خمسة أشخاص فقط من المجموعة التي أعطيت مكملات اليود مرضًا مرتبطًا بالغدة الدرقية، مقارنةً بـ 475 شخص من المجموعة المرجعية.

وعلى الرغم من وجود بعض البحوث التي تربط اليود بالغدة الدرقية في ذلك الوقت، ولكنّ مارين أثبت بشكلٍ حاسمٍ أهمية اليود باعتباره عنصرًا أساسيًا للحياة، وأنّ غيابه قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، وعلى ذلك، أدّت نتائج مارين الهامّة إلى بيع أول ملح مزوّد باليود في الولايات المتحدة في عام 1924، وبعد فترة وجيزة من إدخاله، أدى الملح المعالج باليود إلى الحد من حالات تضخم الغدة الدرقية المرتبطة بعوز اليود.


  • ترجمة: دانيا الدخيل
  • تدقيق: بيتر روماني
  • المصدر