هل جربت القيام برحلة لصعود أحد الجبال من قبل؟ إذا كانت إجابتك نعم؛ فبالطبع ستتذكر ذاك الهواء المنعش أعلى الجبل، ولكن على صعيد آخر؛ لا بد أنك لاحظت بعض الأشخاص يجدون صعوبةً في التنفس أعلى هذا الجبل، ومع الوقت ستلاحظ أيضًا أنك بدأت تواجه صعوبة في التقاط أنفاسك! ربما ستخمن الآن أن صعوبة التنفس تلك بسبب نقص الأكسجين فوق قمة الجبل؛ وهو ما مهد في الماضي لاكتشاف حقيقة غياب الأكسجين في الفضاء.

الإسهامات العلمية:

اقتُرحت نظرية خلو الفضاء من الأكسجين لأول مرة منذ 350 عامًا قبل الميلاد، ولكن عالم الفلك الإغريقي أرسطو اقترح نظريةً نصّت على أن الطبيعة تمقت كل فراغ، ما يدل على عدم وجود أي فراغ مثل الفضاء، ولكن رفض المذهب الذري هذه النظرية وفي القرن السابع عشر الميلادي أُثبت أنه لا يوجد أكسجين في الفضاء بالأدلة العلمية.

هل سمعت من قبل بجهاز البارومتر barometer؟ إنه جهاز يستخدم لقياس الضغط الجوي صنعه عالم الفيزياء الإيطالي إيفانجيلستا تورشيللي Evangelista Torricelli والذي تتلمذ على يد العالم العظيم غاليليو غاليلي Galileo Galilei.

أجرى غاليليو تجارب عديدة على الهواء علم من خلالها بوجود وزن للهواء وقوة ما تعيق خلق الفراغ في أي حيز مغلق، وبعد عام واحد من وفاة غاليليو نجح تورشيللي في تجربته التي مكنته من صنع جهاز يعمل على تكوين حيز للفراغ بشكل جزئي.

جهاز البارومتر كما رسمه تورشيللي.

جهاز البارومتر كما رسمه تورشيللي.

توصل تورشيللي بعد إكمال تجاربه عام 1644 إلى أن الهواء -أو الغلاف الجوي- يبذل ضغطًا على الأرض كما ولو أن هناك قوة تسحبه للأسفل.

قال تورشيللي: «نحن غاطسون في قاع محيط من الهواء، والذي أُثبت امتلاكه وزنًا بالتجارب العملية دون أدنى شك».

قام عالم الفيزياء بليز باسكال-Blaise Pascal بتجارب على الضغط الجوي بعد بضع سنوات في نهاية عام 1646، توصل باسكال إلى أن الفراغ يمكن أن يوجد في عالمنا، وأقنع باسكال صهره فلورين بيرييه-Florin Perier بعد سنتين في عام 1648 بأن يأخذ البارومتر الزئبقي ويصعد على قمة جبل بوي دي دوم-Puy-de-Dôme بفرنسا، ووجد أنه مع الارتفاع عن سطح الأرض، يقل الضغط الجوي، ولكن لم يعلم أحد حينها سبب هذا الانخفاض في الضغط عند الارتفاع عن سطح الأرض.

نجح عالم الفيزياء الألماني أوتو فون غيريكه Otto von Guericke في صناعة أول مضخة فراغية عام 1650، وأوضح أوتو مدى قوة الضغط الجوي عندما عجز حصانان عن فصل نصفي الكرة المجوفة والتي فُرّغ الهواء من داخلها؛ لاحظ أوتو أيضًا أن الغلاف الجوي يحيط بالأرض مثل الصدفة وتنخفض كثافته تدريجيًا كلما ارتفعنا، واستنتج في النهاية أنه مع هذا الانخفاض في الكثافة مع الارتفاع، لا بد وأن يوجد فراغ عند نقطة ما بعيدًا عن سطح الأرض.

وضع أحد أكثر العلماء تأثيرًا في التاريخ، السير إسحق نيوتن Isaac Newton قانون الجاذبية العام في كتابه الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية عام 1687؛ نحن ممتنون لتلك التفاحة التي سقطت على نيوتن فدونها لم نكن لنعلم أي شيء عن الجاذبية، فالجاذبية هي ما تجعلنا مرتبطين بسطح الأرض ودونها كنا سنطفو إلى الأعلى، وليس هذا فحسب فهناك العديد من الظواهر الطبيعية التي تلعب فيها الجاذبية دورًا هامًا.

كيف توصلنا إلى حقيقة عدم وجود الأكسجين في الفضاء دون التكنولوجيا خلو الفضاء من الأكسجين عدم وجود أكسجين في الفضاء نقص الأكسجين

لماذا لا يوجد أكسجين في الفضاء؟

ينتج الضغط الجوي عن الجاذبية الأرضية؛ إذ إنها تسحب الغلاف الجوي تجاه سطح الأرض وتجعله متماسكًا، ولهذا عند الارتفاع عن السطح نبتعد عن مركز الأرض وبالتالي نكون على مسافة أكبر من مجال الجاذبية الأرضية فتقل قوى سحب الغلاف الجوي تجاه السطح تدريجيًا مع الارتفاع، وعند نقطة معينة تتلاشى قوى السحب المؤثرة على الهواء فتبدأ مكوناته بالتفكك والانجراف بعيدًا إلى الفضاء.

هذا بالضبط ما يحدث مع الأكسجين، والذي ينتشر بكثافة في الطبقات المنخفضة من الغلاف الجوي ويقل كلما ارتفعنا عن السطح؛ لهذا يشعر متسلقو الجبال بصعوبة في التنفس عند قمم الجبال بسبب ندرة الأكسجين وانخفاض كثافة الهواء عند هذه الارتفاعات، وبعد نقطة معينة بالأعلى تتضاءل قوة الجاذبية المؤثرة على جزيئات الهواء مثل الأكسجين وبالتالي تقل قوى تماسك مكونات الهواء، وتبدأ جزيئات الأكسجين في التباعد عن بعضها، وهذا ما نطلق عليه اسم الفراغ أو نقول: «لا يوجد هواء».

هكذا توصل علماء الفلك والفيزيائيون إلى حقيقة عدم وجود الأكسجين في الفضاء ، وذلك عن طريق التفكير المنطقي مع بعض التجارب العملية الأساسية، ولكن بالطبع لم يكن الأمر بسيطًا كما نرويه هنا، إذ تطلب هذا العديد من العقول العظيمة مع إجراء عدة تجارب كبيرة حتى وصلوا إلى هذا الاستنتاج.

وُضعت العديد من النظريات والقوانين التي تصف تصرف الهواء وجزيئاته مع الضغط أو الحرارة في الفترة بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، من هذه القوانين: قانون بويل، وقانون شارل، وقانون أفوغادرو، وقانون الغازات المثالية، والعديد من القوانين الأخرى.

كان لكل هذه القوانين والنظريات دور هام في اكتشاف طبيعة الفضاء الفارغة من الهواء.

على سبيل المثال: دلّت التجارب التي قام بها الأخوان مونغولفييه Montgolfier باستخدام بالون هواء ساخن شبيه بالمنطاد على انخفاض الهواء والأكسجين كلما ارتفعنا عن سطح الأرض؛ ولا يوجد ما هو أفضل من الوصول لاستنتاج علمي بينما تستمتع بمنظر خلاب على متن إحدى هذه البالونات.

اقرأ أيضًا:

قلوب بعض الحيوانات يمكن أن تتأقلم من أجل العيش دون أكسجين ، والعلماء مهتمون

اكتشاف طريقة جديدة لتكوين الأكسجين على المريخ

ترجمة: محمد شريف

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر