رصاص المادة المظلمة! تتكون حوالي ربع كتلة الكون من مادة غامضة غير مرئية تسمى المادة المظلمة. وتشير دراسة جديدة إلى أن هناك احتمالًا أن تتصرف المادة المظلمة مثل المقذوفات الصغيرة عالية السرعة أسماها علماء “رصاص المادة المظلمة” لأنها تؤثر بالتالي بالأجسام التي تخترقها كما لو أنها رصاصة.

في الواقع، حسب ما قال الباحثون في هذه الدراسة: «إن تأثير تعرضك لعينة غير مجهرية من المادة المظلمة من شأنه أن يولد الكثير من الحرارة، حتى أنك سوف تشعر به وكأنه كرة لهب تخترق جسمك».

قد تبدو هذه الفكرة غريبة للغاية، ولكن نظرًا لأنه لا يمكن اكتشاف المادة المظلمة بالطرق المعتادة؛ فإن المقترحات الغريبة تستحق دراسة متأنية؛ ما لم تستبعد بشكل قاطع.

يبحث الفيزيائيون -الباحثون عن المادة المظلمة- عن جزيئات أصغر من الذرات. لكن هناك قطعًا من المادة المظلمة أكبر وزنًا، تعرف بالإنجليزية باسم: macroscopic dark matter أو المادة المظلمة غير المجهرية، وتختصر إلى: MACRO وتلفظ «ماكرو»، ولا بد أنها تختبئ في الكون.

من الناحية النظرية، يمكن أن تتفاعل عينات الماكرو مباشرةً مع الأجسام المادية مثل الأجسام البشرية، مسببة «أضرارًا بالغة»، وفقًا لدراسة جديدة بعنوان “Death by Dark Matter” أو الموت بالمادة المظلمة.

يُعتقد أن الأضرار الناجمة عن مثل هذا التصادم سوف تماثل التعرض لطلق ناري. وقد نشرت النتائج التي توصلوا إليها عبر الإنترنت في 15 يوليو في the preprint journal arXiv ولكن لما يراجعها النظراء بعد.

ولكن لنكن واضحين: لم يجد العلماء أشخاصًا مصابين بالمادة المظلمة؛ لذا ربما يكون هذا التفاعل برمته -على حد قول الدراسة- غير موجود أساسًا. ومع ذلك، فإن مجرد طرح هذا الاحتمال قدّم محورًا جديدًا للبحث عن المادة المظلمة وهو: استخدام جسم الإنسان «كاشفًا للمادة المظلمة»، وفقًا لما أفاد به العلماء.

غير مرئية ومراوغة

نحن نعلم أن المادة المظلمة موجودة؛ فقط من خلال أدلة غير مباشرة، من خلال تأثير جاذبيتها على الأجسام الفضائية في الكون المرئي. إن الجهود المبذولة حاليًا للكشف المباشر عن المادة المظلمة تستهدف الجسيمات الفردية وتفاعلها مع المادة العادية، وذلك باستخدام آلات حساسة أو أجهزة تحطيم ذرات ضخمة مثل كواشف: Large Underground Xenon (LUX) أو كاشف الزينون تحت الأرضي الكبير مصادم الهادرونات الكبير (LHC) المشهور .

قال الباحث الأول في هذه الدراسة الجديدة، جاجيت سينغ سيدهو: Jagjit Singh Sidhu، طالب الدكتوراه في قسم الفيزياء بجامعة كيس وسترن ريزيرف في كليفلاند: «إن عينات الماكرو المشار إليها سابقًا مركبة من العديد من جزيئات المادة المظلمة. تمامًا كما تتألف عينات المادة غير المجهرية من العديد من الجزيئات المجهرية».

وقال سيدهو لـ«لايف ساينس»: «يمكن أن يصل حجم وحدات الماكرو لحجم كوكب صغير». وأضاف: «إنه على الرغم من عدم وجود أسباب نظرية ثابتة توحي بأن عينات الماكرو موجودة أصلًا، فإن البحث عنها ما يزال مفيدًا، لأنه ببساطة لا توجد إشارة مباشرة لأي نوع من المادة المظلمة على الإطلاق».

في الواقع، يعرف علماء الكون تمامًا أن المادة المظلمة تتفاعل مع المادة العادية من خلال قوى الجاذبية، كما قال مانديب جيل Mandeep S.S. Gill، عالم الكونيات الرصدي بمعهد Kavli للفيزياء الفلكية والجزيئية في كاليفورنيا.

وأضاف: «يتراوح وزن العينات المفترضة من المادة المظلمة من وزن الأكسيون: “axion” -وهو جسيم افتراضي أصغر بكثير من الإلكترون- حتى وزن الثقب الأسود البدائي -وهو ثقب أسود افتراضي نشأ عقب الانفجار العظيم- أي قد تكون كتلته عدة أضعاف كتلة الشمس».

وأضاف أيضًا: «إن استكشاف المادة المظلمة ولو بدرجة قليلة من الدقة أصبح ممكنًا فقط خلال العقود القليلة الماضية». وقال جيل إن مثل هذه الدراسات مهمة؛ لأنهم يوسعون الآفاق حول دراسة المادة الغامضة.

وختم مانديب: «هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة. لكننا خطونا خطوات مذهلة خلال عقدين من الزمن، وسنواصل إحراز تقدم. هذا لا يعني أننا سنجد بالتأكيد عينة من المادة المظلمة؛ لكنني أراهن أن معلوماتنا في هذا المضمار سوف تتوسع كثيرًا خلال العقدين القادمين».

اقرأ أيضًا:

هل يشرح سلوك النيوترينو الشاذ أحجية وجود الكون ؟

باستخدام الثوريوم، العلماء يقتربون من الساعة الأدق في العالم

ترجمة: أسامة أبو إبراهيم

تدقيق: محمد الصفتي

المصدر