ربما يكون أكبر أقمار زحل تايتان أحد أكثر الأجرام غموضًا في النظام الشمسي؛ فالكثير من الأمور تجري عليه، مثل البحيرات الهيدروكربونية، القشرة الجليدية المتجمدة، الغلاف الجوي السميك كما لو كان كوكبًا، ومن يدري ما الذي يحدث أيضًا؟

أُرسلت مهمة واحدة فقط حتى الآن وهي المركبة كاسيني Cassini التي أُرسلت للتحقيق في نظام زحل بالتفصيل؛ أي الكوكب وأقماره الـ62، وانطلق من المركبة المسبار هويجنز Huygens في مهمة انتحارية قصيرة لكنها مفيدة علميًا على سطح تايتان، وتخطط كل من ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية للقيام بمهام أكثر جرأة في العقود المقبلة باستعمال بعض أدوات الخيال العلمي المذهلة، مثل «quadcopters» و«rovers» وغيرها لدراسة تايتان.

ما الذي نود تعلمه عن تايتان؟ تابع القراءة لتتعلم أكثر عن أهم أسرار هذا القمر العجيب.

الغلاف الجوي لتايتان

يتكون الغلاف الجوي السميك والكثيف والضبابي للقمر من مزيج من النيتروجين وبعض الميثان عند درجة باردة جدًا؛ تبلغ -180 درجة مئوية. وبالرغم من بعده عن الشمس فإن الإشعاع الشمسي ما يزال يلعب دورًا مهمًا؛ فالأشعة فوق البنفسجية الضعيفة المتواصلة وطاقة الرياح الشمسية الناتجة عن أشعة الشمس تتعارض مع الميثان والنيتروجين في أعلى طبقات الغلاف الجوي، فيمكن للأمطار للاهتمام أن تتساقط إلى السطح في تجمعات مثيرة مسببة ضباب تايتان المميز، لكن الميثان والنيتروجين ليسا وحدهما؛ فيطفو الأكسجين إلى جانب ثاني أكسيد الكربون والماء في الغلاف الجوي، لكن كم النسبة؟

في الحقيقة لا نعرف بالضبط، فقط نعرف أن هذه الغازات موجودة. ما الدور الذي تلعبه في الضبابية في طبقات الجو السفلى؟ أيضًا لا نعرف. ماذا عن نقل الحرارة؟ يمكن للأكسجين والغازات امتصاص الأشعة فوق البنفسجية لتكون بمثابة غازات دفيئة في العالم البارد، لكن ما مدى التعقيد الموجود في الجو؟

الألغاز ليست فقط في تكوين الغلاف الجوي؛ فرياح تايتان سريعة بشكل خطير فتصل أحيانًا إلى 1،255 كم/ساعة. والسؤال هنا: كيف يحصل تايتان على الطاقة اللازمة ليغذي هذه الرياح الهائلة؟ وإذا كنت تكره الغطس الجليدي في درجات حرارة قطبية فلن ترغب في الانتقال إلى هذا القمر الذي يعاني من نفس النوع من عدم الاستقرار الجوي كما هو حال الأرض بسبب عملية مجهولة، هذا ولم نتحدث حتى عن السحب.

ما الذي يخفيه قمر زحل تايتان البحيرات الهيدروكربونية القشرة الجليدية المتجمدة الغلاف الجوي السميك ناسا وكالة الفضاء الأوروبية

الأسرار تحت سطح تايتان

يوجد على سطح تايتان كثبان رملية، ويحتوي أيضًا على بحيرات وأنهار وجداول ودورة كاملة من الميثان السائل مثلما هو الحال على الأرض؛ تنحت السوائل المتدفقة وتعيد تشكيل الأراضي التي تحتها. ما مدى اتساع بحيرات تايتان؟ ما مدى استقرار أنهاره؟ كم مرّة تمطر؟ هل هنالك اختلافات موسمية؟ هل يمكن اعتبار تايتان «أرضًا منخفضة الحرارة» أم أنه شيء أكثر غرابة؟

بالعودة إلى الكثبان الرملية، تنجرف الجزيئات المعقدة التي تتشكل من عمليات غير معروفة إلى حد كبير في الغلاف الجوي إلى السطح مثل حبيبات صغيرة لتتراكم كما تفعل الحبيبات عادةً، وهنا يأتي دور الرياح فائقة السرعة التي تقود هذه الرمال لتشكيل مناظر طبيعية مشابهة لما يمكن أن تجده في عالم أكثر جفافًا مثل المريخ. وفي الحقيقة باستثناء وجودها وامتدادها على مساحات واسعة فنحن لا نعرف الكثير عن هذه الرمال وعلاقتها بالرياح؛ فالأمر معقد.

نجد أيضًا الحفر على سطح تايتان، ومن المعروف أنه كلما زاد عدد الحفر في عالم ما كان عمر السطح أكبر، لكن بعض العمليات الموجودة على تايتان، مثل الرياح والمطر من الممكن أن تؤدي إلى تآكل السطح ما يجعله يبدو أصغر عمرًا، إذن كم عمر سطح تايتان؟

يصبح الوضع أكثر غرابة تحت هذا السطح؛ فمن الممكن أن يحتوي محيطًا مدفونًا من المياه السائلة تحت الطبقة الخارجية الجليدية. وإذا كان تايتان يحتوي على براكين الجليد والماء cryovolcanoes فإنه من المحتمل أن يكون هنالك نظام كامل قادر على نقل الجزيئات من الجزء العلوي من الغلاف الجوي طوال الطريق إلى الطبقة السفلية، أما إذا كان نشطًا على المستوى التكتوني فمن الممكن أن تكون هنالك عمليات كيميائية أكثر إثارة للاهتمام ما يفتح الباب أمام السؤال الأهم على الإطلاق.

هل يستضيف تايتان الحياة؟

هل توجد كائنات حيّة على تايتان؟ إذا وجدت الحياة موطئ قدم فستكون مختلفة جذريًا عن الحياة هنا على الأرض لأنها يجب أن تتأقلم في درجات حرارة منخفضة جدًا، وأي كائن أرضي لن يجد تايتان مضيافً؛ فالجو الهيدروكربوني خانق، هنالك مياه سائلة لكن تحت الأرض، وعلى السطح يوجد ميثان سائل ومواد هيدروكربونية أخرى. فهل يمكن للحياة أن تتطور في ظروف مشابهة بدلًا من الماء؟ أم أنها ممكنة فقط مع H2O؟

على كل حال فالحياة بحاجة لما هو أكثر من الماء أو (الهيدروكربونات)؛ فشكل الحياة السليم أشبه بحقيبة من الجزيئات العضوية، لكن الكثير من هذه المواد تُنتج في الغلاف الجوي العلوي (بطريقة ما) وربما في قاع المحيطات (بطريقة ما). ما مقدار هذه المكونات الحيوية التي تشق طريقها إلى المحيطات لتنتقل من مجرد أساس لبناء الحياة إلى بنائها فعلًا؟ من المحتمل أن تتواجد الحياة في كل من المحيطات السطحية والجوفية، وربما يكرهون بعضهم البعض ويخوضون حربًا بطيئة، فلنذهب إلى تايتان لنكتشف ذلك!

اقرأ أيضًا:

علماء الفلك قد وجدوا للتو دليلًا على ظاهرة طقس غريب على القمر تيتان

ناسا: غلاف تيتان الجوي مشابه لغلاف الأرض

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: سلمى توفيق

المصدر