أصبح بالإمكان العثور على جزيئات بلاستيكية دقيقة ضارة في كل بيئة تقريبًا على كوكب الأرض، ومن المثير للدهشة أن العلماء لا يعلمون سوى القليل عن مصدر هذه الجزيئات ضمن المنتجات المستخدمَة يوميًا. حال كنت تشرب من عبوة مياه بلاستيكية أو تتناول طعامك من وعاء مهيأ للمايكروويف في الوقت الحاضر، يوجد احتمال أنك تستخدم مادة بولي بروبيلين. يُعد البولي بروبيلين آمنًا ومناسبًا لكثير من الاستخدامات، ولهذا السبب يُعد أكثر أنواع البلاستيك استخدامًا لوضع الطعام فيه.
تُعد عبوة رضاعة الأطفال مصدرًا آخر لمادة بولي بروبيلين. يُفترَض عادةً أن العبوات المصنوعة من هذا البلاستيك صلبة ولا تتأثر بالماء الساخن عند تعقيمها وخضها في أثناء إعداد الحليب.
أوضحت الدراسات الحديثة أن إعداد تركيبة حليب الرُّضع يوميًا باستخدام عبوات البولي بروبيلين يُعرّض الرُّضع لملايين الجزيئات البلاستيكية الدقيقة.
تفوق هذه الزيادة التقديرات السابقة على نحو مذهل. أظهرت دراسات سابقة تعرُّض البالغين والأطفال في الولايات المتحدة لنحو 74,000 – 211,000 جزيء على مدار عام كامل، وذلك عبر الطعام والماء والهواء.
الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في الرضاعة الاصطناعية
كالكثير من مشاريع الأبحاث، بدأت الدراسات الاستقصائية المعنية بهذا الموضوع بالمراقبة والبحث. لوحظ بعد سكب الماء الحار في وعاء بلاستيكي صلب أنه يتغير ليصبح أكثر مرونة وليونة. وأصبح من المعروف إمكانية تحرُّر الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في هذه العملية.
كشفت الفحوص المخبرية أن الوعاء البلاستيكي يحرر ما يزيد على مليون جزيء بلاستيكي لكل لتر من الماء الحار. جرى فحص أوعية بولي بروبيلين أخرى، كالأوعية البلاستيكية التي تحتوي سوائل في درجة حرارة الغرفة، وعُثِر على عدد ضئيل من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة المُحرّرَة لكل لتر، بلغ عددها بضع مئات، وعلى هذا اتضح أن المشكلة تكمن في الحرارة.
أُجريت تجربة لاختبار أثر الحرارة في منتجات بولي بروبيلين، وتضمنت التجربة استخدام عبوات رضاعة الأطفال. بإجراء دراسة استقصائية في 48 منطقة شملت 78% من سكان العالم، اكتُشِف أن عبوات رضاعة الأطفال المحتوية على بولي بروبيلين تُكوّن 83% من السوق العالمية.
فُحِصت العبوات بانتقاء عشر عبوات رضاعة مصنوعة من بولي بروبيلين، وتطبيق توجيهات منظمة الصحة العالمية لعام 2007 في تحضير حليب الأطفال منزليًا.
فُحصت كمية الجزيئات البلاستيكية الدقيقة المُحرّرَة عقب اتباع هذه الخطوات، التي شملت التنظيف والتعقيم ومزج السائل في العبوات العشر، واكتُشف أنها أطلقت نحو 16 مليون جزيء لكل لتر من الماء الذي تبلغ درجة حرارته 70 درجة مئوية.
بلغ طول أكثر هذه الجزيئات أقل من 20 ميكرومتر، وكانت تشبه الرقائق ولها سطح خشن، وبلغ متوسط سُمكها عُشر العرض.
بزيادة درجة حرارة الماء على 70 درجة مئوية -درجة الحرارة الموصى بها- إلى 95 درجة مئوية -درجة حرارة الماء المغلي للتو- زاد إطلاق الجزيئات البلاستيكية من 6 ملايين جزيء إلى 55 مليون جزيء للتر. ساهمت عملية التعقيم بمفردها -التي يجري خلالها تفكيك العبوة ووضعها في وعاء مليء بالماء الذي تبلغ درجة حرارته 95 درجة مئوية- في زيادة إطلاق الجزيئات البلاستيكية بنسبة 35% على الأقل.
اتُّبع منهج علمي متكامل في أثناء إجراء هذه التجربة. التزمنا إجراءات منظمة الصحة العالمية، واستخدمنا اختبارات المجموعات المعيارية وأعيد الاختبار بسوائل متنوعة وبدرجات حرارة مختلفة أكثر من مرة، ووظفنا التحليل الإحصائي للتحقق من دقة النتائج.
استعنّا بمختبر مستقل آخر للتحقق من دقة المنهجية المُتّبَعة ومنتجات العينات. كانت النتائج متشابهة، لذا يمكن التيقن من النتائج التي قد تبدو مُفاجئة.
كيفية الحد من التعرُّض للجزيئات البلاستيكية
بالنظر إلى مدى تفشي استعمال عبوات بولي بروبيلين وكمية الجزيئات البلاستكية الكبيرة التي أُطلقت في التجربة، كان لا بد من التوسع في إجراء الدراسات المعنية بهذا الموضوع.
قدرنا مدى تعرُّض الرُّضع بعمر 12 شهرًا في 48 منطقة حول العالم، بمقارنة متوسط إطلاق الجزيئات البلاستيكية من عبوات الرضاعة وحصة الأسواق من العبوات البلاستيكية ونسب الرضاعة من هذه العبوات وكمية الحليب التي عادةً ما يشربها الأطفال يوميًا.
استُنتجت من هذا المُنطلق احتمالية استهلاك الرضع ما يعادل 1.6 مليون جزيء من جزيئات بولي بروبيلين البلاستيكية.
لا داعي للقلق من عدم معرفة المخاطر التي تهدد حياة الإنسان عند تعرضه لهذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة حتى الآن، إذ تسعى الكثير من الفِرق البحثية لاستقصاء الأمر.
حاليًا، توجد عدة وسائل للحد من تعرض الأطفال للجزيئات البلاستيكية في أثناء الرضاعة الصناعية. من هذه الوسائل استخدام طبقات عازلة لمنع إطلاق الجزيئات البلاستيكية في أثناء الاستخدام، واستعمال مرشحات لمنع تسرب الجزيئات البلاستيكية إلى مصادر المياه.
استُحدِثت مجموعة من الإجراءات لتعقيم العبوات وإعداد تركيبة الحليب مع الحد التعرّض لجزيئات بولي بروبيلين البلاستيكية. تتضمن الخطوات:
- اغسل عبوات الرضاعة المعقمة بالماء الفاتر المُعقَم.
- حضر الحليب في عبوات غير بلاستيكية.
- بعد أن تصبح درجة حرارة الحليب بنفس درجة حرارة الغرفة، انقله إلى عبوة رضاعة مبردة ومعقَّمة.
- تجنب إعادة تدفئة الحليب المُعَد في عبوات بلاستيكية، لا سيما في المايكروويف.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: لارا الطراونة
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: أكرم محيي الدين
