خاضت مجرة درب التبانة العديد من التصادمات والاندماجات مع مجرات أخرى على مدار حياتها، لكن يبقى الإلمام بتاريخها مهمةً صعبة. بفضل تحليل جديد للعناقيد الكروية الكثيفة التي تدور حول مجرتنا، حصلنا على أفضل تاريخٍ كامل معروف حتى الآن لاندماج مجري. وفقًا لتلك البيانات، حدث اندماج غامض منذ نحو 11 مليار سنة، غيّر شكل مجرتنا بالكامل. أطلق العلماء على تلك المجرة التي اندمجت بدرب التبانة اسم كراكن.

تلك العناقيد النجمية المعنية تُسمى العناقيد الكروية، وغالبًا تُعد حفريات للكون المبكر. إنها كثيفة للغاية، ويحتوي كل منها على قرابة 100 ألف إلى مليون نجم قديم، بعضها قديم قِدَم الكون ذاته. تكونت النجوم في تلك العناقيد الكروية من سحابة الغبار نفسها وبالعمر نفسه، ما يعني أنه يمكننا استخدام مكوناتها الكيميائية لمعرفة أصلها.

هذا يشكل فقط جزءًا من اللغز. لدى مجرة درب التبانة قرابة 150 عنقودًا كرويًا، وقد يساعد العمل عليها بإعادة تمثيل حركتها المدارية بواسطة المحاكاة وشكلها الحالي -بعضها تمزق إلى تيارات نجمية طويلة- قد يساعد على معرفة كيفية تكونها وأصلها.

هذا ما فعله العلماء، باستخدام شبكة اصطناعية لمحاكاة العناقيد الكروية، التي تدور حول مجرات تشبه درب التبانة. سُميت تلك المحاكاة (E-MOSAICS). أظهر ذلك النموذج حياة العناقيد الكروية كاملةً منذ تكونها، مرورًا بمراحلها التطورية حتى دمارها.

قال عالم الفيزياء الفلكية ديدريك كرويسين من جامعة هايدلبرغ بألمانيا: «كان التحدي الرئيسي في ربط خصائص العناقيد الكروية وتاريخ اندماجها مع مجرتها المضيفة، إذ إن دمج المجرات عملية شديدة الصعوبة والفوضوية، وغالبًا ما يُعاد فيها تشكيل العناقيد الكروية التي تدور حولها بالكامل، لقد اختبرنا خوارزمية المحاكاة آلاف المرات، واندهشنا من قدرتها على إعادة بناء تاريخ اندماج المجرات التي شملتها المحاكاة، باستعمال ما تضمنته من عناقيد كروية فقط».

تمثلت الخطوة التالية، بدعم برمجة المحاكاة ببيانات حقيقية. حديثًا، وضع القمر الصناعي جايا خريطة لمجرة درب التبانة بتفاصيل عالية الدقة، ليس فقط في الفضاء، بل وأيضًا في الزمن، ما أمدّنا بأدق بيانات حصلنا عليها لمواقع الأجسام المجرية وتحركاتها، وأدى إلى اكتشافات مذهلة عن مجرتنا.

باستعمال بيانات القمر الصناعي جايا، جمّع الفريق العناقيد الكروية معًا اعتمادًا على حركتها المدارية. إذ يُعتقد أن العناقيد التي لها المدار ذاته حول مجرة درب التبانة تنتمي للمكان ذاته.

بمعالجة تلك البيانات بواسطة الفريق المبرمج، توافقت النتائج بشدة مع 5 اصطدامات مجرية. أربعة منها كانت معروفة: مجرة إنسيلادوس، المعروفة أيضًا باسم جايا سوسيج، التي التهمتها مجرة درب التبانة منذ نحو 9 مليارات سنة، والتيار النجمي «هيلمي» الذي بدأ مجرةً قزمة قبل أن يصبح تيارًا نجميًا منذ اصطدامه قبل 10 مليارات سنة، ومجرة سيكويا، التي اندمجت مع درب التبانة منذ 9 مليارات سنة، ومجرة الرامي الإهليجية القزمة، التي اخترقت درب التبانة عدة مرات على مدار مليارات السنين.

اكتُشف الاصطدام الخامس بواسطة مجموعة اكتُشفت حديثًا لعناقيد كروية منخفضة الطاقة. وفقًا لبرمجة التحليل، تطابقت البيانات بدرجة كبيرة مع خصائص اصطدام مهم لم يكن معروفًا سابقًا، وهو ما سماه العلماء اصطدام مجرة «كراكن».

قال كرويسين: «يُعد اصطدام كراكن أكبر اصطدام شهدته درب التبانة على الإطلاق. قبل ذلك كان يُعتقد أن اصطدام مجرة جايا إنسيلادوس مع مجرتنا -الذي حدث قبل 9 مليارات سنة- هو الأكبر. مع ذلك، فإن اصطدام كراكن قد حدث منذ 11 مليار سنة، عندما كانت درب التبانة أصغر بأربعة أضعاف. ومن ثم يُفترض أن اصطدام كراكن قد غيّر شكل مجرة درب التبانة آنذاك».

باستخدام تلك المعلومات، وضع الفريق «شجرة عائلة» لمجرة درب التبانة تصف تاريخ أحدث اصطدامات المجرة، والتصادمات الخمسة الكبرى مع مجرات احتوت أكثر من 100 مليون نجم، حدثت منذ 6 – 11 مليار عام، و15 اندماجًا صغيرًا حدث نتيجة تصادمات بمجرات احتوت أكثر من 10 ملايين نجم.

يجب أن تشكل تلك الشجرة الأساس للجهود الجارية والجهود المستقبلية لفهم ملحمة الأحداث التي غيرت تاريخ مجرتنا.

قال كروسين: «لقد حددنا حطام أكثر من خمس مجرات بواسطة التلسكوبات الحالية، لذلك من الممكن أن تجدهم التلسكوبات المستقبلية جميعًا».

اقرأ أيضًا:

ربما يوجد نحو 300 مليون من العوالم الصالحة للسكن في مجرة درب التبانة!

تجمعات نجمية غريبة قد تكون بقايا قديمة لاصطدام عنيف مع درب التبانة

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر