تُصاب ملايين النساء في أنحاء العالم بالانتباذ البطاني الرحمي، يسبب هذا المرض النسائي أعراضًا مُنهكة، تؤثر بشدة في جودة حياة المرأة وصحتها العقلية وإنتاجيتها. مع ذلك ما زالت علاجات أمراض بطانة الرحم محدودةً، وتعاني العديد من النساء للسيطرة على الأعراض، فهل يمكن للنظام الغذائي أن يساعد؟ الانتباذ البطاني الرحمي هو مرض نسائي، ينمو فيه نسيج مشابه للأنسجة المبطنة للرحم في أجزاء أخرى من الجسم سوى بطانة الرحم.

تنمو الأنسجة المشابهة لبطانة الرحم عادةً في مناطق الحوض والبطن، مثل قناة فالوب والمثانة والأمعاء، وأظهرت الأبحاث أن تلك الأنسجة قد تبلغ مناطق أبعد في بعض الحالات، إذ تؤثر في القلب أو الرئتين وحتى الدماغ. وفقًا للأبحاث، قد يصيب الانتباذ البطاني الرحمي أي عضو في جسم المرأة.

من بين كثير من الأعراض يسبب المرض طمثًا مطولًا -أكثر من سبعة أيام- ونزيفًا شديدًا ونزفًا في غير وقت الحيض وتشنجات مؤلمة جدًا قد تسبب الإغماء، أيضًا يسبب التعب والغثيان والتقيؤ والألم عند ممارسة الجنس.

في حالة النساء اللائي شُخصن بالانتباذ البطاني الرحمي، فإن الخيارات العلاجية محدودة، وهي ليست فعالة لدى كل المصابات، ولا تضمن الشفاء طويل الأمد.

دفع ذلك الباحثين للبحث عن طرق إضافية للراحة والعلاج، ومنها التغذية.

ناقشت هانا ألديرسون والطبيبة هانا كاهيلوفا أسباب صعوبة السيطرة على الانتباذ البطاني الرحمي، وكيف يمكن للنظام الغذائي أحيانًا أن يساعد على تخفيف بعض الأعراض، مثل الألم والنزف الشديد.

الطبيبة كاهيلوفا هي مديرة الأبحاث السريرية في «لجنة الطب المسؤول»، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، وهي من مؤلفي المراجعة الحديثة التي تعد التغذية عاملًا من عوامل السيطرة على مخاطر الإصابة بالانتباذ البطاني الرحمي، نُشرت هذه المراجعة في مجلة (Frontiers in Nutrition) في فبراير 2023.

ألم مُمِضّ وتشخيص صعب!

وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 190 مليون امرأة بالغة حول العالم مصابة بالانتباذ البطاني الرحمي، وتتأثر جودة حياتها بشدة نتيجةً لذلك.

ربما لا تشمل هذه الأرقام الأعداد الحقيقية لحالات الانتباذ البطاني الرحمي، نظرًا إلى أن المرض يبقى غير مُشخص في كثير من الحالات، حتى أن الأمر قد يستغرق أكثر من 11 سنة للوصول إلى التشخيص الصحيح.

الألم الشديد هو أحد أكثر أعراض الانتباذ البطاني الرحمي شيوعًا، قد يكون الألم مُنهكًا جدًا وغير اعتيادي في طبيعته، وفقًا لتقرير نُشر عام 2021 يعتمد على بيانات من بريطانيا، فإن أكثر المرضى والأطباء قالوا إن المقياس المستخدم حاليًا لتقييم ألم الانتباذ البطاني الرحمي غير كافٍ بوصفه أداة مستقلة لتقدير الألم الناتج من المرض.

أشارت ألديرسون إلى أنها استغرقت وقتًا طويلًا حتى شُخصت إصابتها بالانتباذ البطاني الرحمي، وقد كانت مصابةً بمتلازمة المبيض متعدد الكيسات، ووُضع حديثًا جهاز لولب داخل رحمها، عندما بدأت بالشعور بألم مروع.

ظلت فترةً تظن أن الألم هو عرض جانبي للولب، لكن الأطباء استبعدوا ذلك، كانت تلك بداية رحلة طويلة ومعقدة للحصول على التشخيص الصحيح.

قالت ألديرسون: «يصعب وصف الألم، كان يمتد من المبيضين إلى أعلى الفخذين ويشبه تجريف المعدن، لذلك اعتقدت في البداية أنه اللولب، ذهبت إلى الطبيب للفحص لكنه أكد أن كل شيء على ما يرام. استشرت طبيب العائلة الذي أخبرني أنها قد تكون غازات مُحتبسة، لم أرجح ذلك، فكرت كثيرًا دون أن أتوصل إلى حل حتى أنني بدأت أعتقد أنني واهمة».

عندما بدأت ألديرسون بالدراسة لتصبح اختصاصية تغذية وبدأت بالتعلم أكثر عن الظروف الصحية للأمراض النسائية، وجدت معلومات أكثر عن الحقائق المتعلقة بالانتباذ البطاني الرحمي، وتوصلت أخيرًا من خلال بحثها إلى اختصاصي استطاع تشخيص مرضها تشخيصًا صحيحًا.

كان ذلك بداية لرحلة أخرى أطول، وهي رحلة البحث عن علاج فعال أو خطة للسيطرة على الأعراض.

الخيارات العلاجية الحالية

الخيارات العلاجية المقبولة محدودة جدًا، نوهت الدكتورة كاهيلوفا بذلك قائلة: «لدينا بعض مسكنات الألم التي لا يؤثر معظمها في آلام الانتباذ البطاني الرحمي، ويوجد تنظير البطن، ونأمل أخيرًا أن يكون التدخل الجراحي لإزالة أنسجة بطانة الرحم المنتشرة مفيدًا، لكن النسيج يعاود النمو في معظم الحالات، لذلك لا تُعد الجراحة حلًا فعالًا. رحلة الانتباذ البطاني الرحمي هي رحلة مؤلمة لمجرد الحصول على التشخيص، أما رحلة العلاج وخياراته المحدودة فهي عذاب آخر».

الجراحة والاستئصال هما الطريقة الوحيدة لإزالة أنسجة بطانة الرحم المتنامية في مختلف مناطق الجسم، لكن النسيج يعاود النمو، لذلك يلزم تكرار العملية.
قد يقترح الأطباء تناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل الإيبوبروفين والنابروكسين لتخفيف الألم، لكنها غالبًا غير فعالة لتخفيف الألم الشديد المترافق مع الانتباذ البطاني الرحمي.

قد يصف الطبيب أحيانًا حمض الترانيكساميك، وهو دواء يعزز تجلط الدم ويساعد على تخفيف النزف الغزير في أثناء الحيض، لكن نتائجه غير مضمونة ومؤقتة غالبًا.
تتضمن العلاجات الأخرى العلاج الهرموني مثل حبوب منع الحمل، أو وضع لولب في الرحم ليحرر أحد أشكال هرمون البروجسترون، قد يخفف ذلك من نزف الحيض أو يوقفه تمامًا. لكن النتائج ليست مضمونة ولا تستجيب كل المصابات للعلاج الهرموني.

وفقًا لدراسة نُشرت عام 2018 في مجلة «علم الغدد الصماء والتمثيل الغذائي»، فإن النساء اللائي يمتلكن مستقبلات بروجستيرون إيجابية الضرر يستجبن بفعالية إلى البروجستين، وهو أحد المكونات الفعالة لحبوب منع الحمل، أما اللواتي يمتلكن مستقبلات سلبية الضرر فلديهم معدلات استجابة أقل.

أشارت الدراسة إلى مواصفات نمط الحياة التي قد تكون مؤثرةً في تطور مرض الانتباذ البطاني الرحمي، تمكن الاستفادة من تلك العوامل للمساعدة على السيطرة على المرض. التغذية من عوامل نمط الحياة التي درسها الباحثون المتعلقة بالانتباذ البطاني الرحمي.

التغذية ومخاطر الانتباذ البطاني الرحمي

للنظام الغذائي القدرة على التأثير في كل جوانب صحتنا، لذلك ليس غريبًا أن يدرس الباحثون الرابط بين التغذية وإدارة مخاطر الانتباذ البطاني الرحمي. وجدت دراسة منشورة عام 2021 ارتباط عدة أطعمة بارتفاع خطر الإصابة بالانتباذ البطاني الرحمي، منها:

  •  الدهون المتحولة: هي نتيجة لعملية تصنيع الأغذية، توجد في الأطعمة المقلية والمعالجة، تزيد من مستويات الكوليسترول فضلًا عن خطر الإصابة بالعديد من الأمراض مثل مرض السكري وأمراض القلب.
  •  اللحوم الحمراء: قد ترتبط بمخاطر صحية مختلفة حسب مستوى الاستهلاك.
  •  الكحول: قد يساهم في مجموعة واسعة من المشكلات الصحية.

جاء في دراسة فريق الدكتورة كاهيلوفا ملاحظات مماثلة: «نجد ارتباطًا واضحًا إذ ننظر في الدراسات التي أُجريت حول النظام الغذائي والانتباذ البطاني الرحمي. استهلاك اللحم الأحمر مثلًا يزيد خطر الانتباذ البطاني الرحمي، لذلك فإن التخلص من اللحم الأحمر من النظام الغذائي هي النصيحة الأولى لتلافي الإصابة بالانتباذ البطاني الرحمي أو لعلاجه».

أيضًا فإن الحد من استهلاك منتجات الألبان قد يساعد، إذ تزيد منتجات الألبان من مستويات الإستروجين، وتحوي حمض النخيل وهو نوع من الأحماض الدهنية المشبعة التي تفاقم أعراض المرض.

بالمقابل، وجدت بعض الدراسات تأثيرًا واقيًا لمنتجات الألبان عدا الزبدة، تؤدي تلك التأثيرات المفيدة المترافقة مع تناول منتجات الألبان إلى صعوبة الجزم بدورها في تطور المرض.

ما تغييرات النظام الغذائي التي قد تفيد؟

وجدت دراسة عام 2021 أن الحموض الدهنية المتعددة غير المشبعة مثل أوميغا 3 وأوميغا 6 تقلل انتشار آفات الانتباذ البطاني الرحمي.

السمك والأعشاب البحرية والمكسرات جميعها مصادر جيدة لأوميغا 3، وإضافة المزيد منها إلى النظام الغذائي مفيد جدًا.

وُجد أن أعشاب البحر مفيدة جدًا للنساء المصابات بالانتباذ البطاني الرحمي، اعتمادًا على تجربة أُجريت على عدة نساء ضمن سلسلة من دراسات الحالة، أدى استهلاك الأعشاب البحرية إلى زيادة طول الدورة الشهرية لدى ثلاث نساء ضمن الدراسة وتقليل فترات حيضهن، والتقليل من الأعراض المؤلمة المصاحبة للحيض.

يُنصح أيضًا بإدخال المزيد من الخضراوات إلى النظام الغذائي، تحديدًا الخضراوات الصليبية -مثل البروكلي والقرنبيط- والبقوليات والفواكه الغنية بمضادات الأكسدة، التي تُعد مصدرًا جيدًا للألياف المفيدة.

أُجريت دراسة تعتمد على المقابلة مع 12 امرأة مصابة بالانتباذ البطاني الرحمي تترواح أعمارهن بين 28 و44 عامًا، اقترحت أيضًا أن تغييرات النظام الغذائي تساعد على تحسين أعراض المرض.

معظم السيدات اللائي أجرين المقابلة استبعدن الغلوتين من نظامهن الغذائي أو قللن استهلاكه، وقللن استهلاك منتجات الألبان والأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، وزدن استهلاك الفواكه والخضراوات والأسماك وأضفن المكملات الغذائية متضمنةً الفيتامينات والمعادن وأوميغا 3 والكركم والزنجبيل.

بعد إجراء تلك التغييرات على نظامهن الغذائي بدأت أعراض الألم المترافقة مع الانتباذ البطاني الرحمي بالانخفاض أو الزوال تمامًا، ولاحظت بعض النساء نقصًا في نزف الحيض وفي عدد أيامه.

ما يهم هو خلق بيئة داخل الجسم لا يستطيع الانتباذ البطاني الرحمي الازدهار فيها، ويجب أن يترافق ذلك مع تدخل الأطباء لعلاج المرض.

الآليات المحتملة

ما الآليات المحتملة التي يتفاعل وفقها النظام الغذائي لتخفيف أعراض الانتباذ البطاني الرحمي؟

وفقًا لدكتورة كاهليوفا، توجد عدة آليات تؤدي دورًا في تخفيف الأعراض، اعتمادًا على نوع الطعام والنظام الغذائي، يؤدي تقليل الدهون وزيادة الألياف إلى تقليل الإستروجين في الجسم بنسبة 10-25%.

يساعد ذلك المصابات بالانتباذ البطاني الرحمي، إذ إن المصابات بالمرض لديهن مستويات مرتفعة من الإستروجين مقارنةً بالأصحاء، لذلك قد يكون تخفيف تركيز هذا الهرمون مفيدًا.

قد تكون الأنظمة الغذائية النباتية مفيدةً بفضل خصائصها المضادة للالتهاب، إذ أظهرت العديد من الدراسات أن للالتهاب دور كبير في الانتباذ البطاني الرحمي. وجدت دراسة حديثة أن الانتباذ البطاني الرحمي يتشارك ببعض الخصائص الوراثية مع الآلام المزمنة لبعض الأمراض الالتهابية.

من المحتمل أن لفيتامين سي القدرة على تخفيف أعراض الانتباذ البطاني الرحمي بفضل خصائصه المضادة للأكسدة.

وجدت دراسة أنه عند تناول النساء المصابات بالانتباذ البطاني الرحمي فيتامينات سي وإي، ارتفعت مستويات مضادات الأكسدة لديهن، وتحسنت أعراضهن بفضل تناول هذه المكملات.

الحاجة إلى مزيد من البحث

لا تتفق جميع الدراسات الحالية على الأطعمة المرتبطة بزيادة خطر الانتباذ البطاني الرحمي، ومن ثم وسائل المساعدة على تخفيف أعراضه وآلية عمل ذلك.

أشارت ألدرسون والدكتورة كاهليوفا إلى تلك النقطة، من وجهة نظرهم فإن ذلك يرجع إلى العدد المحدود من الدراسات حول الارتباط بين النظام الغذائي والانتباذ البطاني الرحمي. وأهم من ذلك العدد غير الكافي للأبحاث الحالية المتعلقة بالانتباذ البطاني الرحمي والأمراض النسائية عمومًا.

التمويل هو المشكلة الأساسية، وفقًا لدراسة نُشرت عام 2021 فإن المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة يخصص جزءًا كبيرًا من الموارد لدراسة الأمراض المؤثرة في الرجال على حساب الأمراض النسائية.

هذا موضوع طارئ يحتاج إلى البحث، إذ نحتاج إلى مزيد من البحث في الأطعمة والأنظمة الغذائية، والمزيد من الأبحاث المتخصصة عن داء الانتباذ البطاني الرحمي، وهو حالة بالغة التعقيد وتختلف بين امرأة وأخرى، ما يصعّب فهمه.

في حين تساعد التدخلات الغذائية المصابات بالانتباذ البطاني الرحمي على تخفيف الأعراض، ما زال الطريق طويلًا جدًا لإيجاد علاج ناجع يمكن تعميمه.

اقرأ أيضًا:

الانتباذ البطاني الرحمي: كيف يؤثر وصف المصابات لآلامهن على سرعة التشخيص؟

التهاب بطانة الرحم: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: ميس مرقبي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر