علاج النوبة القلبية قبل حدوثها ليس خيالًا علميًا!

آثار النوبة القلبية عادةً دائمة، إذ لا تتجدد أنسجة القلب، على عكس أكثر أنسجة الجسم الأخرى، ما يعني أنه عندما ينجو شخص من نوبة قلبية فإن الضرر الحادث قد يسبب مضاعفات صحية وربما الوفاة خلال السنوات التالية.

إن تجديد أنسجة القلب لمحاولة علاج التلف الحاصل موضوع مثير للاهتمام. اكتشف الباحثون آلية تسمح بمعالجة أنسجة القلب لدى الفئران قبل الإصابة بنوبة قلبية، ما يوفر الحماية عدة أشهر تالية.

مع أن معظم الأشخاص ينجون من النوبة القلبية الأولى، فإن خطر الوفاة يزداد كثيرًا في السنوات التالية.

في الواقع، يُتوفى 65% من الأشخاص الذين أصيبوا بنوبة قلبية فوق سن 65 في غضون 8 سنوات. ذلك أنه حتى عند نجاة الشخص من النوبة القلبية الأولى، فإن النوبة القلبية ذاتها تؤدي إلى حرمان أنسجة القلب من الأكسجين، ما يؤدي إلى موتها، وعدم قدرتها على التجدد.

في دراسة حديثة على الحيوانات، حدد الباحثون آلية سمحت لهم بمعالجة أنسجة القلب، وجعل قلوب الفئران السليمة أكثر مرونةً قبل الإصابة بنوبة قلبية. نُشرت نتائج الدراسة في (Nature Cardiovascular Research).

النّوبة القلبية وموت العضلات

تحدث معظم النوبات القلبية بسبب داء الشريان الإكليلي، الذي يؤدي إلى تضيق الشرايين الإكليلية المغذية للقلب. يعود هذا التضيق إلى التراكم التدريجي للترسبات الدهنية، فيما يُسمى التصلب العصيدي. إذا انفصل جزء من هذه الترسبات، قد يؤدي إلى تشكل جلطة دموية لمحاولة إصلاح الضرر الذي لحق بجدار الشريان. هذه الجلطة قد تسد الشرايين الإكليلية ما يسبب نقص تغذية عضلة القلب بالدم والأكسجين والمُغذيات الضرورية، ما يؤدي إلى موت عضلة القلب.

يعتمد الضرر الذي يصيب عضلة القلب على حجم المنطقة التي يرويها الشريان المسدود. نظرًا إلى أن عضلة القلب غير قادرة على التجدد، فإنها لا تُصلح تمامًا ولا يعود النسيج إلى طبيعته أبدًا. بل تتشكل الأنسجة الندبية الليفية عوضًا عن خلايا عضلة القلب السليمة.

الخلايا العضلية القلبية مسؤولة عن تقلص عضلة القلب والقيام بدورها في ضخ الدم، هذا التقلص العضلي ضروري للقلب ليتمكن من ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم استجابةً للإشارات الكهربائية التي تتحكم في نبضات القلب. عندما تتلف هذه الخلايا إثر نوبة قلبية، يفقد القلب بعضًا من قدرته على ضخ الدم في أنحاء الجسم بفعالية.

في حين أن خلايا عضلة القلب قادرة على التكاثر في الأجنة البشرية، يفتقر البالغون إلى هذه القدرة. يرجع ذلك جزئيًا إلى مقايضة تطورية، إذ إن قدرة خلايا عضلة القلب الناضجة على التكاثر والتجدد ستؤدي إلى انخفاض قدرتها على الانقباض. على هذا فإن الضرر الناجم عن أحداث مثل النوبات القلبية لا يمكن تصحيحه أو عودته إلى حالته الأولى.

تحديات الشفاء بعد النوبة القلبية

إن مراحل انتقال خلايا عضلة القلب من الطور الجنيني إلى طور الخلايا البالغة موضوع لكثير من الأبحاث. نظرًا إلى أن خلايا عضلة القلب لا تتجدد بعد الضرر الناجم عن النوبة القلبية، فقد أُجريت عدة أبحاث عن كيفية إعادة خلايا عضلة القلب إلى مرحلة يمكن أن تتكاثر فيها وتتجدد، ما يفرض على الباحثين محاولة فهم كيفية عكس تلف أنسجة القلب ودراستها باستفاضة.

أظهرت الأبحاث السابقة على خلايا عضلة القلب غير المتمايزة أن الآثار الضارة غير القابلة للعكس قد تحدث أيضًا، ذلك على الأرجح لأن الخلايا غير المتمايزة قد تتكاثر بطريقة مشابهة للخلايا السرطانية.

كان الهدف من البحث يتمثل في أن إعادة خلايا عضلة القلب إلى حالة ما قبل التمايز، قد يؤدي إلى تجنب بعض هذه المضاعفات، لكن لم يكن واضحًا هل يمكن الحفاظ على الآثار المفيدة المحتملة للخلايا غير المتمايزة أم لا؟

علاج القلب قبل النوبة القلبية

وجد الباحثون في مختبر الدكتور إلداد تزهور في معهد وايزمان للعلوم، قسم بيولوجيا الخلايا الجزيئية، أنه عند التعبير المفرط عن بروتين معين يُسمى (ERBB2)، المُرمَّز بواسطة جين (ERBB2)، يحدث عدم التمايز في الخلايا. بالمقابل، فإن خلايا عضلة القلب في هذه الحالة غير المتمايزة -القادرة على التجدد- كانت قدرتها على الانقباض محدودة. لاحظ الباحثون أنه عند وقف الإفراط في التعبير، أُعيد تمايز خلايا عضلة القلب واستعادت قدرتها الانقباضية، فتحسن أداء القلب مجددًا.

في البحث الأخير، بقيادة د.أبراهام شاكيد، سعى الباحثون لدراسة الآلية الكامنة وراء الجين والبروتين، ومدى تأثيرهما. أظهرت النتائج أن الفأر المُعدَّل وراثيًا مؤقتًا بجين ERBB2 بعمر 3 أشهر، قد تعافى بعد 5 أشهر من إصابته بنوبة قلبية.

يُظهر ذلك أن خلايا عضلة القلب المُعاد تمايزها احتفظت ببعض من قدرتها التكاثرية، ومن ثم قدرتها على الشفاء، أي إن الخلايا العضلية القلبية التي خضعت لدورة «عدم تمايز-استعادة تمايز» استطاعت التجدد والتكاثر، مع الحفاظ على قوة التقلص.

هذه النتائج مثيرة للاهتمام للغاية، إذ لم يكن من المتوقع ظهور هذا التأثير الواقي للقلب ضمن هذا التسلسل من الأحداث، ما يطرح إمكانية الاستفادة منه مستقبلًا.

البحث المستقبلي حول تجدد القلب

يركز فريق البحث على محاولة التطبيق الأوسع لهذه التجربة، وبحث الآلية الكامنة وراء النتائج في محاولة لمزيد من الفهم، إذ إنه بتحديد العامل المسبب لذلك التأثير المرغوب، قد يتجنب المختصون عناء إخضاع الخلايا لدورة «عدم التمايز-استعادة التمايز»، التي قد تكون غازية وصعبة التطبيق. بتحديد السبب، تصبح النتائج والإجراءات أدق.

وضع الفريق عدة فرضيات لتفسير الآلية ويسعى لاختبارها الواحدة تلو الأخرى. إن بحث إمكانية تكرار النتائج لدى الفئران غير المعدلة وراثيًا، والثدييات الكبيرة مثل الخنازير، خطوة ضرورية قبل محاولة تطبيقها سريريًا على البشر.

اقرأ أيضًا:

حبوب زيت السمك لا تفيد كما نظن وقد تزيد مخاطر عدم انتظام ضربات القلب

هل تعتقد أنك تعرف ما هو ضغط الدم الطبيعي؟ على الأرجح أنت مخطئ!

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر