ما تزال أصول تشكل مجرة درب التبانة غامضة، ولكن يظن علماء الفلك أن عمر المجرة 13 مليار سنة، ودون شك كانت أصغر حجمًا مما هي عليه اليوم. ما الذي سبب توسع المجرة إلى حجمها الحالي؟ الجواب يكمن في فهم الالتهام المجري.

تاريخ غامض

لا يعلم علماء الفلك كيف نشأت المجرات الأولى، لأن الأعوام التي تصف بداية الكون تصعب مراقبتها ودراستها. وتهدف المراصد مثل تلسكوب جيمس ويب إلى حلّ هذه المعضلة والتعرف على العصر الذي يصف بداية الكون. مع ذلك، يُمكن الاستدلال على كيفية تكوّن مجرة درب التبانة.

يحتوي الكون في شكله الحالي مناطق ذات كثافة عالية جدًا مثل المجرات، ومناطق أخرى ذات كثافة منخفضة مثل الفراغات بين المجرات. تؤكد كل المشاهدات المتوفرة اليوم أن الكون لم يكن بهذا الشكل بتاتًا، إذ كانت مستويات الكثافة ذاتها تقريبًا في كافة أنحاء المجرة، بحسب ما نشرته وكالة الفضاء الأوروبية.

لا بد أن مجرة درب التبانة بدأت بالتشكل مثل أيّ مجرة أخرى، أيّ كانت عبارة عن مادة مظلمة كثافتها أعلى من الطبيعي، والمادة المظلمة هي مادة لا تتفاعل مع الضوء.

بسبب مستوى الكثافة المرتفع، كانت للمادة قوة جذب أقوى من الأشياء الأخرى في محيطها. نتج عن قوة الجاذبية تلك سحب كمية أكبر من المادة المظلمة، ما منحها المزيد من قوة الجاذبية، وهكذا. هذا ما تقوله عالمة فيزياء الفلك مويا مكتير في كتابها: The Milky Way: An Autobiography of Our Galaxy Grand Central, 2022.

لم تكن درب التبانة في أيامها الأولى وحدها، فقد كانت مُحاطة بعدة كُتل من المادة المظلمة. مع مرور الوقت، ازداد حجم الكتل لدرجة أنها أصبحت قادرة على سحب المادة الطبيعية، ونجم عن ذلك تكدسها سويًا وتشكيل حزم عالية الكثافة، ما أدى إلى نشأة النجوم الأولى.

ما تزال مجموعات المادة المظلمة تلك موجودة اليوم حول مجرة درب التبانة، وتُسمى العناقيد الكروية. تحتوي العناقيد على أقدم نجوم في تاريخ المجرة، إذ يبلغ عمر بعض النجوم 13 مليار سنة، بحسب مركز هارفارد-سميثسونيان للفيزياء الفلكية.

نشأة المجرة كانت عنيفة

اجتمعت كتل المادة المظلمة والنجوم الناتجة عنها معًا وأعطت الشكل الأولي لمجرة درب التبانة منذ 12 مليار سنة.

بعد حدوث الاندماج، ظهرت المجرة من جديد كيانًا كونيًا مستقلًا عما حولها. ازدادت قوة الجذب للمجرة واستمرت في سحب كميات كبيرة من المادة المظلمة والغاز، ما أدى إلى توسعها بسرعة.

مع ازدياد حجم المجرة، أصبح الغاز يتركز في المنتصف، وبعد انهيار الغاز ظهر مكانه قرص نحيل سريع الدوران. بدأ هذا القرص ومثيلاته بإنتاج النجوم، وبعد بضع مليارات سنة، أصبحت المجرة مليئة بهذه النجوم كما لم يحدث من قبل.

لم تنته الاندماجات بين النجوم والمادة المظلمة حتى الآن، إذ حدد العلماء مجموعات عديدة من النجوم قابعة في مجرة درب التبانة مختلفة عن غيرها بعض الشيء، ذلك بفضل المشاهدات التي قدمها قمر غايا الاصطناعي.

تبين أن هذه المجموعات تحتوي على نجوم متشابهة في العمر والتركيبة والسرعة. يعتقد العلماء أن هذه المجموعات هي عبارة عن بقايا مجرات سابقة صغيرة ابتلعتها مجرة درب التبانة ومزقتها بوساطة قوة جاذبيتها المهولة منذ مليارات السنين.

المجرة في شكلها الحالي

ما تزال مجرة درب التبانة حتى هذه اللحظة تستمر في التهام الأقمار المجاورة ومن ضمنها سحابتا ماجلان الكبرى والصغرى. لم تشهد مجرة درب التبانة منذ نشأتها قبل 13 مليار سنة تصادمًا مع مجرة أخرى بنفس الكتلة، فعادةً ما تكون هذه التصادمات أو الاندماجات كارثية.

يؤدي تصادم مجرة مع أخرى إلى تشكيل عدد هائل من النجوم بسرعة كبيرة، ذلك يستهلك الغاز ولا يبقى منه ما يكفي لتشكل أجيال متعاقبة من النجوم.

أما بالنسبة لمصير المجرات بعد هذه الحادثة، فعادةً ما تصبح مُحمَّرة وميتة، أيّ أنها تمتلئ بنجوم صغيرة وحمراء وخافتة.

مجرة درب التبانة الآن في مسار تصادمي مع المجرة المجاورة أندروميدا، وستزول المجرة عن الوجود بعد حدوث هذا التصادم الذي وضع له العلماء تقديرًا زمنيًا لحدوثه بعد نحو 4 مليارات سنة تقريبًا.

اقرأ أيضًا:

بعض أجزاء مجرة درب التبانة أقدم بكثير مما توقع الباحثون

اكتشاف سرب كامل من الثقوب السوداء تتحرك عبر مجرة درب التبانة

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر