أشهر القتلة المتسلسلين (تيد باندي – Ted Bundy) قتل ثلاثين فتاةً في ولايات مختلفة.

كان هناك أشياء مشتركة بين ضحاياه، ولربما كان الأكثر ملاحظةً هو تشابههم في المظهر: الجاذبية الجسدية، صِغر السن، البشرة السمراء، الشعر الطويل.

بعد القبض على باندي، أصبح واضحًا أن هؤلاء الضحايا كانوا يشبهون بشكل ملحوظ فتاة كان يواعدها باندي في شبابه، والتي انفصلت عنه، وهذا الأمر ترك بركانًا من المشاعر الثائرة فيه.

هل تجربة الرفض هي التي دفعت باندي إلى طريق القتل؟

بالرغم من أن ما يحرك القتلة ليس واضحًا دائمًا، فإن للرفض دورًا ملحوظًا في تحفيز العنف.

في التجارب العلمية التي كان يتعرّض فيها المشاركون لإحساس الرفض، قام هؤلاء المنبوذون بأعمال عنف أكثر ممّا قام بها نظراؤهم المقبولين، وحتى الأشخاص الأبرياء.

نعرف الكثير عن هذه العملية النفسية التي تدفع إلى هذا العنف المتعلّق بالرفض، لكن الآلية التي يعمل بها العقل لتحفيز عنف ما بعد الرفض ما زالت غير مفهومة بشكل جيّد.

لنفهم بشكل جيّد كيفية تنظيم المخ للاستجابات العنيفة للرفض، نشرنا في هذا الموضوع صورًا جديدةً بالرنين المغناطيسي لدراسة آلية عمل المخ.

في هذه الدراسة، وصل ستّون شابًّا من الشباب الأصحّاء إلى مركز بحوث أشعة الرنين المغناطيسي (MRI research center).

هؤلاء المشاركون دخلوا جهاز الرنين المغناطيسي وطُلِب منهم أن يلعبوا على الكمبيوتر لعبة تبادل قذف الكرة. تركيز اللعبة كان ببساطة على أن تُقذَف الكرة ذهابًا وإيابًا بين ثلاثة مشتركين، وعليهم أن يتخيّلوا أن هذه اللعبة حقيقية.

بعد عدة دقائق من اللعب قام لاعبان باستبعاد اللاعب الثالث وقاما بتبادل اللعب معًا تاركين اللاعب الثالث مشاهدًا فقط.

هذا الأسلوب من الاستبعاد ترك شعورًا بالرفض.

بعد الخروج من جهاز الرنين المغناطيسي تحدّث العديد من المشاركين إليَّ قائلين أشياء مثل: «هل رأيت ما فعله معي هؤلاء الحمقى في لعبة الكرة؟».

بعد تحفيز شعور الرفض أعطينا المرفوض فرصة للعودة إلى رافضيه، وبالتحديد أعطيناه فرصة تحديد درجة ارتفاع لصوت مزعج يوجَّه بشكل متكرّر لأحد الرافضين. كلّما ارتفع الصوت، زاد الثأر.

أتمّ المشاركون لعبة تبادل قذف الكرة والصوت المزعج بينما كنّا نقوم بقياس إلى أيّ مدى كانت مناطق معيّنة من المخ أكثر أو أقل نشاطًا.

عندما فحصنا المعلومات عند الفئة المرفوضة في الدراسة، ركّزنا على نشاط جزء معين من المخ يسمى VLPFC  وهذا الجزء يعمل على تثبيط مشاعر الألم والمشقّة.

شعور الرفض الاجتماعي مؤلم جدًا، ومنطقة VLPFC تساعدنا على تثبيط هذه التجربة الكريهة.

وجدنا أنه كلّما حفّز المشاركون منطقة VLPFC خلال الرفض، كان الثأر أكبر تجاه الرافضين، وهذا يرجّح أنه كلّما كان المخ أكثر فاعلية في تثبيط إحساس الألم عند الرفض، كان اندفاعنا لإيذاء الآخرين أكبر.

ولكن لماذا؟ لنكتشف ذلك..

نظرنا إلى ما كان يفعله المخ عند الثأر في لعبة تسليط الأصوات المزعجة، ولاحظنا أنه خلال الثأر حفّز المشاركون جزءًا في المخ مسؤولًا عن شعور الثواب.

وبإعادة تسليط الأصوات المزعجة، اتضح أن شعور الثأر ممتع. قمنا بإضافة ما اكتشفناه إلى الاكتشافات السابقة، وأسمينا ذلك (النموذج الوسيط).

لاحظنا تسلسل الأحداث عند تثبيط المنطقة VLPFC خلال الرفض والتي تعطي إحساس الثواب عند الثأر، وهذا ما دفع المشاركين إلى اختيار أصوات مزعجة بدرجة أعلى.

هذه الاكتشافات رجّحت أنه كلّما تم تثبيط الألم الناتج عن الرفض، كان شعور الانتقام أكثر متعةً.

ربما يكون هذا بسبب أننا أجهدنا قدرة المخ على التثبيط أثناء الرفض وهذا أدّى إلى استجابة بشعور الثواب عند الثأر.

هذا التفسير تم ترجيحه باكتشاف آخر في هذه الدراسة، وهو عندما لاحظنا أن الناس الذين اعتادوا كونهم عنيفين أظهروا فصلًا بين منطقة المكافأة ومنطقة VLPFC في المخ خلال الثأر.

هذا النشاط غير المقيّد في منطقة الثواب قد يحفّز الأفعال العنيفة ويفسّر سبب ميل بعض الناس إلى العنف خلال المواقف.

كيف يساعدنا ذلك في أن نجعل العالم مكانًا أقلّ قسوةً وعنفًا؟

حسنًا، هذا يتماشى مع أبحاثنا الأخرى، والتي أظهرت أن محاولة تثبيط إحساس الألم عند الرفض استراتيجية سيئة، فهذا التثبيط يؤدّي إلى إجهاد المثبّطات ويترك أكثر الرغبات لا أخلاقيّةً لدينا بلا سيطرة.

بدلًا من محاولة تثبيط مشاعر الألم تلك، يجب أن نجد طريقة للتعامل معها بعقلانية أكثر.

في الواقع، إن العمليات الحيوية مرتبطة بالنفسية، وهو ما يعطي  فكرة عن كسر العلاقة بين العنف والرفض.


  • ترجمة: مريم سيد
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر