جفافٌ لفح السهول الكبرى مسببًا حرائق هائلة وخسائر قُدّرت بـ 2.5 مليار دولار في القطاع الزراعي.

فيضاناتٌ كارثية غمرت أكثر من ثلث بنغلادش.

موجاتٌ حارة قياسية قتلت أعدادًا كبيرة من الناس في الصين وأوروبا.

كانت هذه من ضمن خمسة عشر حدثًا متطرفًا في عام 2017 من المرجّح أنها نتجت عن التغيّر المناخي المُسبَّب من قِبل البشر.

قال العلماء إنَّ حادثةً واحدةً على الأقل (موجة حرارية بحرية قبالة ساحل أستراليا رفعت درجة حرارة النظم البيئية ودمرت مصائد الأسماك) كانت لتصبح مستحيلة الحدوث دون تأثير الإنسان.

وقال باحثون إنَّ النتائج التي قُدّمت في اجتماعٍ للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي تؤكد على درجة الضرر الذي يلحقه بالفعل تغيّرُ المناخ بالمجتمع البشريّ.

وقال جيف روزنفيلد، رئيس تحرير النشرة: «كان الناس يتحدثون عن تغير المناخ كمشكلةٍ معقدة وصعبة للغاية في المستقبل، وكأمرٍ يمكن حدوثه في أماكن بعيدة وعلى مقاييس زمنية طويلة.

لكنَّ الأعاصير وحرائق الغابات وتبييض الشعب المرجانية والجفاف، هي ظواهر تحدث لنا في الوقت الحاليّ؛ ونحن نواجه مخاطر جديدة ومُتحدّية وكيفية تأثيرها علينا في المستقبل».

أصدرت النشرة تقريرًا لشرح الأحداث المتطرفة يهدف إلى تحديد الأحداث المناخية في كل عام منذ عام 2011 والتي يمكن أن تُعزى إلى تغيّر المناخ.

وهذه هي السنة الثانية على التوالي التي يحدد فيها العلماء حدثًا لم يكن ليحدث دون الاحترار المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية.

يتضمن تقرير هذا العام سبعة عشر تحليلًا -خضع لمراجعة الأقران- لستَّ عشرة كارثة من 120 باحثًا يراقبون الطقس في ستّ قارات ومحيطين.

تستخدم كل دراسة السجلات التاريخية ونماذج المحاكاة لتحديد مدى تأثير تغير المناخ على حدثٍ معين.

وجدت دراسة عن موجة الحر القياسية -والتي ضربت أوروبا والبحر المتوسط في عام 2017- أن احتمال حصول مثل هذه الأحداث الآن ثلاثة أضعاف احتمال حدوثها في عام 1950، وتبلغ نسبة احتمال تكرار مثل هذا الحدث في صيفٍ ما الآن %10.

تسبّبَ تغير المناخ في الصين وبنغلادش في حدوث فيضانٍ مميتٍ مرتين.

وقد نتج الجفاف في شرق إفريقيا -والذي ترك ستة ملايين شخص في الصومال يواجهون نقصًا في المواد الغذائية- عن الاحترار المحيطي الدرامي الذي لم يكن ليحدث دون تأثير البشر على البيئة.

وقال روزنفيلد إنَّ ارتفاع درجة حرارة المحيطات لعب دورًا في العديد من الأحداث التي دُرست.

وأضاف: «إذا كان هناك أي شيءٍ مزعج»، وقاطع كلامه بضحكةٍ ساخرة: «حسنًا، كل شيءٍ مزعج».

وتابع: «لكن ما أعنيه هو أنه إذا كان هناك شيء قد تغيّر في هذه الدراسات، فإن أحدها هو أن الرابط بين المحيط واليابسة بات أكثر وضوحًا.

إنَّ في المحيط نوبات حارة كما اليابسة».

يتعارض هذا مع صورةٍ شعبية للمحيط بوصفه منطقة عازلة للاحترار العالمي وقادرة على امتصاص كميات هائلة من الكربون الإضافي الذي أضافه البشر إلى النظام العالمي.

وقال روزنفيلد: «حقيقةُ أننا نرى المحيطات كحلقة في سلسلة من الأسباب التي تربط في نهاية المطاف بين أسباب بشرية وأحداث مناخية متطرفة على اليابسة؛ تعني أن المحيط ليس هناك فقط لحمايتنا من إزعاج تغيّر المناخ، بل على العكس تمامًا؛ يلعب المحيط دورًا فعالًا في التطرف الذي نشهده».

لا تمثّل الدراسات الواردة في التقرير تحليلًا شاملًا لجميع الأحوال الجوية المتطرفة في عام 2017.

قالت ستيفاني هيرنج، خبيرة أرصاد جوية في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، ورئيسة تحرير التقرير: «إنَّ الأحداث التي دُرست قد اختيرت على أساس التنوع في النوع والموقع».

لم يعرف أيٌّ من الباحثين المشاركين ما إذا كانوا سيكتشفون حلقة الوصل المناخية عندما بدؤوا بالعمل على التقرير.

لم تجد إحدى الدراسات فقط (نظرة على حرائق الغابات في أستراليا) دورًا لتغير المناخ.

وقال مارتن هوورلينج، أحد العلماء في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا)، والمحرر المشارك في التقرير إنَّ البصمة البشرية أكثر وضوحًا مما كانت عليه عندما بدأت النشرة في تقييم تأثير تغير المناخ على الطقس المتطرف منذ سبع سنوات.

كلما ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض، ازداد عدد العلماء الذين يرون أنَّ الطقس حساسٌ للتغيير.

وقال هويرلينج: «إنَّ مناخ الأرض يواصل التغيّر أكثر فأكثر مما اعتاد عليه الكثيرون منا، وبالتأكيد آباؤنا أيضًا».

لطالما حذر العلماء من إلقاء اللوم على أي حدثٍ خاص يتعلق بتغير المناخ.

المناخ العالمي نظامٌ معقد، وقد يكون من الصعب تمييز نتائج ضخّ البشر لمستويات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي بمستوى يصل إلى ضعف متوسطها قبل الصناعي.

لم تكن معظم المناقشات حول تأثير المناخ أكثر تحديدًا من المعدلات العالمية والتحولات الموسمية.

ولكن -وبفضل تحسين جمع البيانات والنماذج المناخية المتطورة باستمرار- يمكن للباحثين رؤية تأثير تغير المناخ على كوارث معينة، مثل أيام الأمطار الستة على شمال شرق بنغلاديش.

وقال هويرلينج: «من الممكن الآن -وبكل ثقة- تحديد مدى تأثر حدثٍ طقسيّ متطرف بالأنشطة البشرية.

إنها خطوة رئيسية نحو فهمٍ أفضل للعواقب الاقتصادية لتغيّر المناخ، إذ ترتبط الأحداث المتطرفة غالبًا بأكثر الخسائر الفادحة في الممتلكات والحياة».

وقال هيرينج إنَّ المجال المتزايد لـ (علم الإحالة – Attribution science) -وهو علم يُعنى بإحالة أسباب التغيّر المناخي للأحداث المتطرّفة، وتحديد مدى تدخّل الإنسان في عملية التغيّر المناخي- يتعلق بالمستقبل بقدر ما يتعلق بالماضي.

إذا استطاع العلماء تحديد مقدار التغير المناخي الذي ساهم في حدثٍ متطرفٍ معين، يمكنهم أيضًا التنبؤ باحتمال تكرار الحدث في السنوات القادمة.

وقال هيرينج: «إذا لم يكن لدينا علم جيد حول الكيفية التي يتغير بها التطرّف، فعندئذ لا يمكننا المشاركة في الحديث حول كيفية إدارة المخاطر».

وقال هيرينج: «كان هناك فيضان كل 500 عام، لكن الأبحاث تظهر أن الفيضان الآن سيكون كل 200 عام، هذا يغيّر الكثير من الأشياء.

يؤثر ذلك على البنية التحتية، ويغيّر الطريقة التي تتخذ بها المنظمات والجمعيات خيارات الاستثمار».

يتضمن تقرير شرح الأحداث المتطرفة أيضًا وجهات نظرٍ من المسؤولين الحكوميين والخبراء القانونيين حول عواقب هذه المخاطر المتغيرة.

لاحظت جولي فانو (باحثةٌ في المركز القومي لأبحاث الغلاف الجوي) كيف يُظهر الطقس المتطرف نقاط الضعف في البنية التحتية وإدارة الموارد.

سد أوروفيل في كاليفورنيا -الذي بُني وفقًا للتوقعات التي لم تأخذ تغير المناخ بعين الاعتبار- قد تضرر وكاد أن يفيض بعد أن ضربت المنطقة الأمطار الغزيرة التاريخية.

عاصفةٌ أثناء إعصار هارفي، قال العلماء إنها تفاقمت بفعل تغيّر المناخ، وأخبر مديرو المياه فانو أنهم غير مستعدين للفيضانات الكارثية لأن الحدث كان على خلاف أي شيءٍ قد رأوه من قبل.

قد تجد هذه الدراسات طريقها إلى قاعات المحاكم، وفقًا لليندين باتون، المحامي في مجموعة قانون الأرض والمياه.

إن ثقة العلماء المتزايدة في الصلة بين تغير المناخ والأحداث المتطرفة تعني أن مثل هذه الأحداث يمكن التنبؤ بها، ما يعني أن المرافق والمطورين ومجموعات أخرى يمكن اعتبارها غير مستعدة.

وقال باتون: «هذا العلم سيغير التزاماتنا ليس فقط كعلماء، بل كجهاتٍ فاعلة اجتماعية».

بالنسبة للأشخاص الذين يهتمون بتعلم كيف يغير تغير المناخ بيئتهم، فإن هورينج لديه تفسير مباشر للغاية.

قال هويرلينج: «إنها تزيد من سوء الأحوال وتهيئ بيئة أكثر عدائية للازدهار».

من المنطقة القطبية الشمالية حيث يتقلص الجليد البحريّ، مرورًا بالمناطق الساحلية حيث ترتفع حدة العواصف، إلى موجات الحرارة في المراكز الحضرية حيث يفتقر البعض إلى وسائل التبريد، وقائمةٌ من الطرق التي يؤثر بها تغيّر المناخ علينا يصفها هويرلينج بالمُطوّلة.


  • ترجمة: خالد حجار.
  • تدقيق: تسنيم المنجد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر