كان رجل أعمال ناجحًا ورسامًا رئاسيًا، ولكن قبل أي شيء، ما يخلد ذكر صمويل فينلي بريز مورس اختراعه المُسمى باسمه، شفرة مورس، نظام رائع أحدث ثورةً في مجال الاتصالات في بداية القرن التاسع العشر.

حتى في أوج وادي السيليكون -معقل التطور التكنولوجي- وازدهار وسائل التواصل الاجتماعي، يبقى هنالك مكان لهذه الشفرة القديمة. فقط اسأل البحرية الأمريكية، إنها لغة يتعلمها التقنيون في أثناء فترة تدريبهم في مركز المعلومات في كوري ستيشن في بينساكولا، فلوريدا. تستحق شفرة مورس أن ترفع لها القبعة.

من هو صمويل مورس؟

كانت بعض أجزاء حياته كأنها سيناريو فيلم مأساوي. ولد مورس في تشارلز تاون، ماساتشوستس في أبريل 1791، وكان رسامًا محترفًا، سنة 1825، كان يعمل على لوحة لماركيز دي لافييت. أجبره عمله على الانتقال إلى واشنطن إذ تلقى رسالة مدمرة، وفقًا للبرقية، توفيت زوجته اليافعة في منزلهم الواقع في نيو هافين، كونيتيكت.

وأسوأ من ذلك، حين تلقى الخبر، كان قد تأخر الوقت جدًا ليلحق بجنازتها، إذ دُفنت وهو بعيد عنها.

كانت هذه حال معظم البرقيات بعيدة المدى في تلك الأيام، وكان مورس أحد رجال الأعمال في هذا المجال وأحد مطوري أولى البرقيات التي بنيت في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. استخدام تعبير «الأب» للدلالة على العالم أو المخترع لنظام البرقيات قد يكون مضللًا. مورس كان فقط أحد المطورين الأوائل لهذا النظام.

بصرف النظر عن خلفيته العلمية، كان مورس شغوفًا بالكهرباء. سنة 1837، عرض مورس نموذجًا أوليًا لنظام برقيات في أحد التجمعات. مثل جميع البرقيات، ترسل النبضات الكهربائية عبر أسلاك إلى المستقبِل، وهنا ظهرت شفرة صمويل مورس الشهيرة.

أول إرسال لشفرة مورس

لم يكن بمقدور نظام مورس للبرقيات إرسال الأصوات أو الحروف المكتوبة، لكنه ابتكر طريقة جديدة لإرسال الرسائل المشفرة باستخدام النبضات الكهربائية.

تُظهر الوثائق أن أصل شفرة مورس كانت من بنات أفكاره بصرف النظر عن الشائعات التي تزعم العكس، إذ تذكر وجود شريك عبقري اسمه ألفريد فيل ساعده على تحسين النظام، وقد شمل كل حروف الإنكليزية، إضافةً إلى علامات الترقيم والأرقام من واحد إلى تسعة، إذ رُمز إليها بمجموعة خاصة فريدة من النبضات الطويلة والقصيرة.

تُسمى النبضة الطويلة «الشرطة» والقصيرة «النقطة»، لم تكن كل الشرطات متساوية الطول في البداية، بعضها كان أطول من سواه، وتعددت المسافات بين النبضات حسب السياق.

كيف تعمل شفرة مورس وكيف بقيت حاضرة في العصر الرقمي - مجال الاتصالات في بداية القرن التاسع العشر - كيف ومتى استخدمت شيفرة مورس

لم تلبث الشفرة أن انتشرت، وسلم الكونغرس مورس سنة 1843 مبلغ 30 ألف دولار لبناء نظام برقيات بعيد المدى بين واشنطن وبالتيمور- ماري لاند.

نجحت التجربة الأولى في مايو 1844، حين كان مورس جالسًا في غرفة المحكمة العليا في الكابيتول الأمريكي، أرسل رسالةً مشفرة إلى فيل، الذي كان ينتظر عند نهاية الخط في بالتيمور.

شفرة مورس تنتشر في العالم

انتشرت خطوط البرقيات بعيدة المدى كالنار في الهشيم في العقود التالية، وكذلك شفرة مورس. خلال الحرب الأهلية، استخدمها الرئيس أبراهام لينكلن ليواكب آخر التطورات الميدانية. وعندما أنهى وسترن يونيون بناء أول خط برقيات عابر للقارات عام 1861، استقبل الرئيس أول برقية أرسلت من سان فرانسيسكو إلى العاصمة.

لكن مع انتشار شفرة مورس في بلدان أخرى، ظهرت المشكلات. لمعالجة الأمر، بسّط ضابط المراسلات الألماني فريدريك كليمنس جيرك النظام سنة 1848، بجانب بعض التغييرات الأخرى، فقد تخلص من الشرطات الطويلة جدًا وأعاد صياغة العديد من شفرات الأرقام والحروف.

بعد إدخال بعض التحسينات، سُميت النسخة الجديدة «شفرة مورس العالمية»، وسُميت النسخة الأساسية «شفرة مورس الأمريكية»، باستثناء المشاهد التمثيلية للحرب الأهلية، يمكن اعتبار النسخة الأساسية منقرضة تقريبًا.

بعد ذلك، كانت شفرة مورس العالمية مشاركة في صنع مستقبل مشرق.

تعلّم أساسيات شفرة مورس

في الشفرة العالمية، تكون «الشرطة» أطول من «النقطة» بثلاثة أضعاف على الورق، الرمز «-» هو ما يمثل الشرطة بينما النقطة تكون بالشكل «.»، الحرف «E» كتابته بسيطة، يتألف فقط من «.»، الحروف الأخرى أعقد بقليل. مثلًا، «.-.-» تمثل الحرف «C».

لو أنك تتعامل مع حرف يمثّل بعدة نقاط أو شرطات، يجب أن يكون هنالك فراغ يعادل طول نقطة واحدة بين العنصرين. الفراغات التي تفصل الحروف عن بعضها تكون أطول ومعادلة لطول ثلاث نقاط. والفراغات التي تفصل الكلمات يجب أن تعادل طول سبع نقاط.

عبارة الاستغاثة الشهيرة «SOS» اعتمدها لأول المرة المراسلون الألمان سنة 1905. لماذا استخدموا هذه الحروف بالذات؟ لأنه في شفرة مورس العالمية الحرف «S» يمثّل بثلاث نقاط والحرف «O» يمثّل بثلاث شرطات. انظر: «نقطة، نقطة، نقطة، شرطة، شرطة، شرطة، نقطة، نقطة، نقطة»، (…—…) تسلسل سهل التذكّر حتى عندما تكون في خطر محدق.

التطبيقات بين الماضي والحاضر

مع أنها صُممت خصيصًا للبرقيات، فقد وُجِدت طرق أخرى لاستخدام شفرة مورس، ومع بدء ظهور آلات البرق الراديوية في تسعينيات القرن التاسع عشر، أصبح بإمكان الرسائل المشفرة الانتقال عبر موجات الراديو. وأيضًا، لبعض وسائل الاتصال البصرية تاريخ مع شفرة مورس العالمية. بدايةً من عام 1867، استخدمت السفن أضواء وامضة لتتبادل الإشارات فيما بينها.

ثم لدينا حادثة جيرمايا دينتن جونيور، ربّان في البحرية الأميركية (عضو مجلس شيوخ في المستقبل)، أُسر خلال حرب فيتنام. وأُجبر على الظهور في تلفاز شمال فيتنام، ليقول إن آسريه يعاملونه جيدًا، لكن عينيه حكتا قصة مختلفة. بواسطة رمش عينيه بتسلسل محدد، استخدم شفرة مورس لتهجئة كلمة «تعذيب».

لاحقًا في القرن العشرين، قل استخدام الشفرة كثيرًا. توقف خفر السواحل الأمريكي عن استخدامها رسميًا سنة 1995، واعتمدت السفن الحديثة أساسًا على أنظمة الاتصال عبر الأقمار الصناعية. ومع ذلك ما زالت البحرية الأمريكية تدرب سلاحًا متخصصًا لإجادة الشفرة.

جماعة أخرى أيضًا تظهر بعض الحب للشفرة وتسمى الجمعية الدولية للحفاظ على شفرة مورس، ائتلاف من مشغلي الراديو الهواة يتضمن آلاف الأعضاء حول العالم. لذلك، قد يكون العصر الذهبي للنقاط والشرطات انتهى، لكن لا تزال شفرة مورس صامدة، ليست بحاجة إلى نداء استغاثة.

اقرأ أيضًا:

ما هو علم التشفير ؟

عجلة جيفرسون أداة للتشفير

ترجمة: حسين عباس

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر